بعيداً عن الشعارات

كُلّ حكومة تأتي تطلق على نفسها أوصافا وشعارات فضفاضة، خاصة حكومة الرزاز التي التصقت بها حكومة النهضة، فهي ارادت ان تحارب الفساد والبطالة والفقر، وترفع من مُعدّلات التشغيل والنموّ، وزيادة الاستثمارات والتوظيف، والنهوض بكل موشرات التنمية، والنتيجة المؤسفة انه لم يتحقق أي من هذه الاهداف السابقة لأسباب داخليّة وخارجيّة حتى نكون موضوعيين في التحليل.
لا يوجد وصف تستطيع ان تصف به حكومة الرزاز، وهذه سلبيّة تضاف الى هيكلها الضعيف، فلا هي شغلت ولا وظفت ولا حققت نموّاً ولا حاربت البطالة ولا جذبت استثماراً ولا حققت تقدماً او اختراقا تستطيع ان تلصقه مباشرة بالحكومة كإنجاز، ووصفها بالنهضة ما هو إلا وصف اطلقه الشّارع عليها من باب السخرية التي اعتاد الأردنيون على إطلاقها عبر وسائل التواصل الاجتماعيّ.
الحكومة الجديدة مقبلة على تحديات غير مسبوقة وتركة ثقيلة، فمعدّلات النموّ في أدنى مستوياتها منذ ثلاثة عقود (3.6 % في الربع الثاني)، والبطالة في أعلى مُعدّلاتها على الإطلاق منذ العام 1989 (23 %)، والتدفقات الاستثماريّة شبه معدومة، والتوظيف في القطاعين العام والخاص محدود، وقد يكون مفقودا في غالبية القطاعات، وأعداد الخريجين الذين يدخلون سوق العمل في تزايد من عام لآخر (156 الف خريج في العام)، وحالة عدم الثقة مفقودة في الخطاب الإعلاميّ الرسميّ، وعجز الموازنة ضعف ما هو مقدّر تقريباً (2.4 مليار دينار)، وطلبات ماليّة ووعود مؤجلة بقيمة تناهز ال500 مليون دينار في العام 2021، وغيرها من عشرات التحديات التي تلقي بظلالها قاتمة على الحكومة وبرنامجها المستقبليّ.
حتى لا تكرر الحكومة الجديدة أخطاء سابقتها وترفع شعارات لتحقيق كُلّ شيء وفي المحصلة تخرج بلا شيء على أرض الواقع وبعيداً عن الأوصاف البراقة الفضفاضة وحتى تخرج من إطار السخريّة الشعبيّة، وتبدأ باستعادة ثقة الشّارع بخطابها عليها ان تحدد هدفاً رئيساً يستحق المجازفة في التصدي له من خلال تكريس موارد الدولة وجهود اعضائها لتحقيق هدف سامي، كالقول ان أولوياتها وقف نزيف مُعدّلات البطالة، او تحقيق نموّ اقتصاديّ مستدام، او التركيز على تسهيل بيئة الأعمال، وتعزيز الشراكة مع القطاع الخاص فعلا لا قولا او اي تحد ترغب الحكومة في مواجهته وتخرج بالنهاية منتصرة عليه حتى ولو بشكل نسبي، يمكننا القول بعد سنين ان هذه الحكومة واجهت البطالة ودعمت النموّ والاستثمار باقتدار، وحققت علامة إيجابية تستطيع ان تتباهى بها كإنجاز حقيقي.
هذا لا يمنع أبداً ان يكون باقي التحديات ضمن استراتيجية العمل التنفيذية اليومية الحكوميّة، فهناك وزارات واجهزة مختصة تباشر اعمالها في عمليات التصحيح الاقتصاديّ والهيكلي على جميع مستويات وقطاعات مؤسسات القطاع العام، لكن في النهاية يكون هناك صفة ومهمة محددة للحكومة يجب ان نلتقي فيها سواء بالنجاح او الفشل، اما ان تبقى برامج الحكومة وخططها جامعة شاملة لكُلّ تحديات المرحلة الراهنة والمستقبلية، وتريد تحقيق كُلّ شيء وهي لا تمتلك مقومات حل كُلّ هذه القضايا، فهذا أمر لا يزيد الا من التعقيد، والأفضل لها ان تحقق هدفاً واحداً رئيسيّا بدلاً من عشرات الأهداف المكتوبة في بيانها وتخرج في النهاية خالية الوفاض.

أخبار أخرى