صدى الشعب – سلامة الدرعاوي
القطاع السياحي في الأردن يواجه أزمة حادة تهدد ليس فقط بأرقام اقتصادية مقلقة، ولكن بأزمة حقيقية قد تعصف بمستقبل هذا القطاع الحيوي، نتيجة التصعيد العسكري الذي تشهده المنطقة، وخصوصًا مع استمرار العدوان الوحشي وحرب الإبادة على الأشقاء في غزة، لذلك يتلقى القطاع السياحي الأردني ضربات موجعة، فالأرقام لا تكذب، وهي تشير بوضوح إلى أن هذا القطاع يعيش لحظات استثنائية صعبة.
تشير البيانات الصادرة عن البنك المركزي إلى أن الدخل السياحي انخفض بنسبة 4.9 % خلال النصف الأول من عام 2024 مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، ليصل إلى 2.3 مليار دينار أردني (3.3 مليار دولار أميركي)، ويعزى هذا الانخفاض إلى تراجع أعداد السياح بنسبة 7.9 %، مما يعكس بوضوح تدهور الوضع في القطاع. هذا ليس مجرد تراجع طفيف؛ بل هو مؤشر ينذر بخسائر قد تصل إلى 491.8 مليون دينار بحلول نهاية العام إذا استمرت الأمور على هذا النحو.
لكن الأرقام المجردة لا تنقل كامل الحقيقة، فالحقيقة هي أن الأردن يخسر أكثر من المال، إذا التصعيد العسكري واصل اندفاعه، فقد يخسر سمعته كمقصد سياحي آمن ومستقر في منطقة مضطربة، إذ ان الفترة من تشرين الثاني 2023 حتى حزيران 2024 شهدت فقدانًا قدره 349,697 سائحًا مقارنة بالفترات المماثلة في السنوات السابقة، لذلك شهر آذار 2024 وحده شهد أكبر خسارة في عدد السياح، وهي نتيجة حتمية لإلغاء شركات الطيران منخفضة التكاليف لرحلاتها.
وفي الواقع، الأضرار تتعدى الأرقام، فقدان 450 مليون دينار نتيجة لتراجع السياحة الدولية يمثل كارثة اقتصادية، فهذا التراجع لم يقتصر فقط على أعداد السياح، بل شمل التأثير المالي الكبير على الوجهات السياحية الأساسية مثل البتراء، التي تعتمد بشكل كبير على السياح الأجانب، فالسياحة في البتراء تشكل شريانًا حيويًا، لكن ما يحدث في المنطقة أثر عليها.
وفي ضوء ذلك، الحكومة لم تبقَ صامتة، لكنها تبدو وكأنها تلاحق الأحداث بدلاً من أن تكون سبّاقة في معالجتها، إذ إن وزارة السياحة أعلنت عن خطة لتعويض الانخفاض في عدد السياح من خلال تقديم حوافز مالية لشركات الطيران منخفضة التكاليف والطيران العارض، وكذلك تشجيع الخطوط الملكية الأردنية على توسيع وجهاتها، لكن هذه الجهود قد تكون مجرد محاولات يائسة لسد فجوة تتسع يومًا بعد يوم. السيناريوهات “المتشائمة” تشير إلى أن عدد السياح “المفقود” قد يصل إلى 756,422 سائحًا بحلول نهاية العام، وهو ما يعني فقدان ما يصل إلى 700 مليون دينار.
الأمر لم يعد يحتمل التهاون، فالأزمة التي يمر بها القطاع السياحي اليوم تتطلب إجراءات أكثر جرأة وفعالية، والحلول التقليدية لن تجدي نفعًا في مواجهة أزمة بهذا الحجم، لذلك يجب على الحكومة أن تتحرك بسرعة، ليس فقط لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، ولكن لاستعادة الثقة بالأردن كوجهة سياحية عالمية، فالاستثمار في الترويج للأردن كبلد آمن ومستقر، وتقديم تسهيلات حقيقية للسياح، وفتح أسواق جديدة يجب أن يكون في صدارة الأولويات.
في النهاية، إذا لم نتحرك الآن، فإن ما نخسره لن يكون مجرد أرقام على الورق، بل سيكون مستقبل قطاع كامل يعتمد عليه آلاف الأردنيين، فالفشل في اتخاذ الإجراءات اللازمة سيجعل من الصعب جدًا استعادة ما نفقده اليوم، فالوقت ينفذ، والأردن لا يمكنه تحمل المزيد من الخسائر. الآن هو وقت العمل الجاد، وإلا فإن “الفاقد” سيكون أكبر بكثير مما يمكننا تحمله.