صدى الشعب – كتب بشار جرار
الأحزاب عندنا وعندهم غير. لا ضير في ذلك ما لم يكن الفارق بين تلك الأحزاب كما هو بين كرة القدم العالمية (الأوروبية) والأمريكية! تبقى الكرة رياضة كما تبقى الأحزاب سياسة. لكن بعضها ليس سياسيا بالمعنى الشامل المتعارف عليه في الشرق الأوسط بقدر ما هو متخصص أحيانا في قضية اقتصادية أو اجتماعية أو بيئية كما هو الحال في حزب الخضر مثلا.
بالإنجليزية ولغات لاتينية أخرى تجمع كلمة «بارتي» معاني كثيرة من بينها التجمع والاحتفال. بلغتنا الأم لغة الضاد، ارتبط في ذهن البعض ذلك التجمع بالتحزب والتخندق فغابت مظاهر الاحتفال مع ما تراكم عبر سنوات غياب الديموقراطية اختيارا أو اضطرارا، واستبدلتها فعاليات جادة وبعضها صاخبة كأداة للحشد والتأطير، وكوسيلة لاستقطاب أعضاء ورعايا جدد، بمعنى الرعاية السياسية أو الاحتضان الاجتماعي، أو وبصراحة الدعم والإسناد المالي (القانوني كما يتعهد ويأمل الجميع) وإلا صار مالا أسود يحاسب عليه القانون.
انتخاباتنا وانتخاباتهم واحدة في كثير من مكونات ومراحل العملية الانتخابية، لكننا نتميز عن العالم بأسره في تشبيه الانتخابات بالأعراس. ومن اللافت أنه وعلى اختلاف النظم والتجارب في «بلاد العرب أوطاني» يحرص، الإعلام الرسمي والأهلي على تغطية ملف الانتخابات -بالغ الثراء والتعقيد- كحفلة عرس.
خير كله خير، إن أردنا بذلك تعميم ثقافة الفرح. بعض الأحزاب لها أسماء تثير الفخر كحزب الأمة (1907) في الشقيقة الكبرى مصر ومن أهم شعاراته «مصر للمصريين».. وبعضها يفتح الشهية ويعدل المزاج ويضفي أجواء الألفة والبهجة مثل «تي بارتي» الذي ترجمته الصحافة العربية حرفيا إلى «حزب الشاي» وكأنه مكرس لعشاق الشاي المَعاني (أحمر كما عين الديك) أو الشركسي (السِمْوار) أو الكُشَري (المصري في الخمْسينة، حِبْر أو على مَيّة بيضا)!.
الصحيح، أن لا علاقة على الإطلاق بين الحزب وبين الشاي ولا بموطنه جزيرة سيلان وهو اسمها قبل أن تعرف بسيريلانكا التي عرفها المسلمون -أيام «الفتح الإسلامي» باسم «سرنديب».
مع فوارق اللغة وتقصير بعض المترجمين في واجب التعريف الثقافي لا الترجمة الحرفية، تجدر الإشارة إلى أن ذلك الحزب لا علاقة له بالشاي كسلعة على الإطلاق، وإنما هو حركة نشأت عام 2009 داخل الحزب الجمهوري الأمريكي تتمسك على نحو خاص بالطرح الماليّ المحافظ. يعني باختصار «مد بساطك أو لحافك على قد رجليك» وليس الشعار «الانتخابي» لدى البعض «اصرف ما بالجيب يأتيك ما بالغيب»، وكأن مال الحكومة أو مال الدولة غير «مال أبينا (أبونا) كما في المثل الشعبي.
لا يؤمن أولئك -وكاتب هذا السطور منهم- بالاقتراض الاستهلاكي ولا بالاستلاف «الخيري»، لأن في ذلك شكل من أشكال الأنانية أو قصر النظر، بحيث يرتهن مستقبل الأحفاد بما يشتهيه -ولا يحتاجه الأبناء- أو ما قصّر في تحقيقه الآباء أو الأجداد من وفْر يغنينا عن السؤال لأي كان، وإن كان الأخ وابن العم والصديق والجار.. لن يكون في وسع أي مرشح انتخابي حزبيا كان أم مستقلا حقا أم شكلا، لن يكون بمقدورهم مجتمعين -حتى لو شكلوا الحكومة المقبلة كأول حكومة حزبية- البرّ بسابع جار إن لم يكونوا فرادا وجماعة أمناء على الحاضر، أوفياء لأمانات المستقبل.
جميل استخلاص العبر من التاريخ -التاريخ البشري وليس الوطني أو القومي فقط- وتوظيفها لما فيه خدمة الحاضر والمستقبل. ذلك الحزب اتخذ اسمه من «بوسطن تي بارتي» 1773 في عز الثورة الأمريكية ضد بريطانيا العظمى قبل الاستقلال ومولد أمريكا كبلاد العم سام التي ترحب بالجميع شريطة الانصهار بالبوتقة الأمريكية «ميلتينغ بوت» وربط الضرائب بالتمثيل «النيابي» حتى يتم التدقيق في صرف كل سنت (فلس) بأقل ما يمكن من الضرائب. المحافظون ماليا لا يحبون الضرائب ولا المساعدات ولا حتى الهبات. بالتالي، الخيار لا يكون مطلبيا كما هو في مناقشات الموازنة التي تبث على الهواء مباشرة، ولا يكون رغائبيا -تعجيزيا في كثير من الحالات إلى حد شكا منه النواب والوزراء معا- بل حوار أولويات إنفاق وصراع إرادات إدارية وسياسية إن لزم الأمر، حتى يكون الإنفاق في محله وفي أوانه وبقدره وفق عمليات حسابية دقيقة، تقوم على «واحد زائد واحد يساوي اثنين»، «قولا واحدا»، لا «مسألة فيها نظر»!
في الأيام المقبلة بمشيئة الله ورحابة صدر هذا المنبر الكريم، سأحاول تقديم ما أمكن من مشاهدات وقراءات لأطراف المعادلة الانتخابية كافة. صحيح نحن المغتربين أو المهاجرين لسنا بمدعوين للعرس، لكنا جديرون بالفرح ولو عن بعد! إن تعذر تصويتنا عبر سفاراتنا خطيا أو إلكترونيا تماما كما تجرى معاملات كثيرة منها استصدار وتجديد جواز السفر وتوثيق الوصية والوكالة الخاصة والعامة. من حقنا نفرح ومن واجبنا عمل الواجب وأقله «النقوط»! حديث الأحد عنوانه، حزب الزهورات!!