البحوث الزراعية: قطاع تربية النحل بالأردن يواجه تحديات كبيرة
صدى الشعب – سليمان أبو خرمة
أكدت مديرة مديرية بحوث النحل في المركز الوطني للبحوث الزراعية، المهندسة بنان الشقور، أن قطاع تربية النحل في الأردن يواجه تحديات كبيرة، في مقدمتها الأمراض التي تصيب نحل العسل، إضافة إلى التغير المناخي والظروف الجوية المتفاوتة والمتقلبة، والتي تؤثر بشكل مباشر على مراعي نحل العسل من حيث وفرتها وجودتها.
وأوضحت الشقور خلال حديثها لـ(صدى الشعب)، أن العسل الأردني يتمتع بخصائص مميزة، تعود إلى تنوع المرعى الرحيقي وانخفاض مستوى رطوبة الرحيق، ما يمنحه جودة عالية مقارنة بغيره من الأعسال.
وأضافت أن من أبرز التحديات الأخرى التي يعاني منها القطاع، قيام عدد من التجار باستيراد أعسال من بلدان مختلفة تقل جودتها عن جودة العسل الأردني، وبيعها تحت مسمى “عسل بلدي”، وهو ما وصفته بأنه أحد أنواع غش العسل.
وحذرت من أن العسل المستورد قد يحتوي على مسببات مرضية تؤثر سلبًا على صحة نحل العسل في المملكة، فضلًا عن احتمال احتوائه على متبقيات من مضادات حيوية قد تؤثر على صحة الإنسان.
2400 نحال فقط في الأردن
وكشفت، عن تراجع في أعداد مربي النحل في الأردن خلال السنوات الأخيرة، مشيرة إلى أن عدد النحالين انخفض من 3000 نحال عام 2010 إلى 2400 حائز نحل عام 2023.
وأوضحت أن عدد طوائف النحل شهد انخفاضًا، حيث تراجع من 60 ألف طائفة عام 2010 إلى 40217 طائفة نحل عام 2023.
وأشارت إلى أنه رغم هذا الانخفاض في عدد المربين والطوائف، إلا أن الإنتاج السنوي من العسل المحلي شهد ارتفاعًا، إذ بلغ قرابة 325 طنًا عام 2023، مقارنة بـ 190 طنًا من العسل المحلي عام 2010.
وأكدت أن قطاع تربية النحل في الأردن يواجه تحديات رئيسية، في مقدمتها التغيرات المناخية وتذبذب الأمطار، بالإضافة إلى قلة المرعى الرحيقي، وما يصاحب ذلك من أمراض وآفات تصيب نحل العسل.
وأشارت إلى أن من بين أبرز التحديات أيضًا الأعسال المستوردة، التي تؤثر على جودة العسل المحلي وتشكل تهديدًا إضافيًا للقطاع.
35% من إنتاج المحاصيل الزراعية يعتمد على الملقحات مثل النحل
وأكدت، أن نحو ثلثي المحاصيل الزراعية التي تغذي العالم تعتمد على التلقيح بواسطة الحشرات أو الحيوانات الأخرى لإنتاج ثمارها وبذورها، مشيرة إلى أن التلقيح يسهم في تغذية الإنسان من خلال إنتاج كمية وافرة من الفواكه والمكسرات والبذور، بالإضافة إلى توفير تنوع أكبر وجودة أفضل.
ونبّهت إلى أن نحل العسل يواجه تهديدًا وجوديًا، وفقًا لما ذكرته منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (FAO)، والتي أوضحت أن معدلات انقراض الأنواع الموجودة من النحل تتزايد بمقدار يتراوح بين 100 إلى 1000 مرة عن المعدل الطبيعي، بسبب الآثار البشرية، وهو ما يشكّل خطرًا حقيقيًا على الأمن الغذائي والتغذية في العالم.
وأشارت إلى أن النحل والملقحات الأخرى كالطيور والخفافيش تؤثر على 35% من إنتاج المحاصيل في العالم، لافتة إلى أن تحسين كثافة الملقحات وتنوعها يؤدي إلى تعزيز جودة المحاصيل وكميتها، ويدعم إنتاج 87 من أصل 115 محصولًا غذائيًا رئيسيًا في العالم، وذلك بحسب بيانات FAO.
وأضافت أن تربية نحل العسل تُعد مصدر دخل للعديد من الأفراد في مختلف بلدان العالم، مبينة أن منتجات النحل لا تقتصر على إنتاج العسل فقط، بل تشمل أيضًا شمع النحل، وحبوب اللقاح، وغذاء الملكات، والعكبر، وحتى النحل نفسه.
كما شددت على أن للنحل دورًا محوريًا في الحفاظ على التنوع الحيوي والمساهمة في استدامة الأنظمة البيئية، فضلًا عن تأثيره المباشر في تلقيح المحاصيل الزراعية وزيادة الإنتاج كماً ونوعاً، مما يسهم في تحقيق الأمن الغذائي والتنمية المستدامة.
92 مليون دينار قيمة خدمات التلقيح
وأكدت، أن نحل العسل يُعد الملقّح الرئيس للعديد من النباتات، التي لا يمكن أن تعقد ثمارها بدون وجود الملقّحات الحشرية، مشيرة إلى أن نسبة مساهمة نحل العسل في تلقيح النباتات المزروعة والبرية تتراوح بين 75 إلى 90 بالمئة.
وكشفت عن نتائج دراسة أجراها المركز الوطني للبحوث الزراعية حول محاصيل خاصة في الأردن، لتقدير القيمة النقدية لخدمات النُظم البيئية التي تقدمها الحشرات أثناء تلقيحها للمحاصيل، حيث أظهرت الدراسة أن قيمة هذه الخدمات تقدر بـ91.9 مليون دينار أردني (أي ما يعادل 130 مليون دولار)، وتمثل 33 بالمئة من القيمة الإجمالية لـ34 محصولًا مزروعًا في الأردن.
وبيّنت ان الدراسة كشفت ان القيمة التقديرية لتلقيح نحل العسل فقط بلغت 73.6 مليون دينار، تسهم بنحو 27 بالمئة من القيمة الإجمالية لإنتاج تلك المحاصيل، وهي أعلى بـ26.3 مرة من قيمة إنتاج العسل المحلي الأردني.
وأشارت إلى أن نتائج البحوث بينت أن فقدان الملقحات الحشرية قد يؤدي إلى انخفاض إنتاجية المحاصيل التي شملتها الدراسة بما يقارب 35 بالمئة، ما يمثل تأثيرًا مباشرًا على الأمن الغذائي في المملكة.
بنك وراثي لحماية النحل البلدي من الانقراض
وأكدت، أن المديرية قامت منذ عشرين عاماً بإنشاء قاعدة بحثية لتطوير تربية النحل في الأردن، إلى جانب إنشاء أول بنك وراثي لحماية النحل البلدي من الانقراض، بالإضافة إلى إنشاء مناحل بحثية تمثل التنوع البيئي بكافة مناطق المملكة.
وأوضحت أن المديرية تسعى إلى مواكبة الأبحاث والتطلعات العالمية لحماية الأصول الوراثية، مشيرة إلى أنه يجري حالياً تنفيذ مشروع دولي بالتعاون مع عدة دول وبدعم من الاتحاد الأوروبي وهو مراقبة سلالات نحل البحر الأبيض المتوسط MEDIBEES ومدى قدرتها على التكيف مع تغير المناخ، ويهدف إلى نشر ثقافة حماية الأصول الوراثية المحلية للنحل في كل دولة، لما لهذه السلالات من قدرة أعلى على مقاومة الظروف المناخية في المملكة.
كما أشارت إلى تنفيذ مشروع آخر يركز على حماية مرونة النظم الزراعية من خلال التلقيح الفعال وتربية النحل المستدامة، بهدف تحسين دخل المزارعين والمساهمة في الوصول إلى الأمن الغذائي.
وأضافت أن هناك تعاوناً مستمراً مع باحثين دوليين في هذا المجال، من بينهم الخبير الألماني في النحل ستيفان فوكس، الذي أكد في تصريحات صحفية سابقة أن (النحل البلدي في الأردن يتمتع بمزايا وراثية عالية تجعله الأقرب تاريخيًا إلى المجموعة النحلية العائدة لعام 1952، والمحفوظة في معهد بحوث النحل بألمانيا).
2000 بيت ملكي للنحل البلدي سنويًا لدعم المزارعين
وأوضحت أن هذه الدراسات شكلت البذرة الأولى للعمل على تعزيز انتشار سلالة النحل البلدي، حيث تم زراعة بيوت ملكية وتوزيع أكثر من ألفي بيت ملكي من النحل البلدي وهجائنه مجانًا على النحالين سنويًا منذ عام 2003، وذلك لما يتمتع به هذا النحل من صفات بارزة، أبرزها مقاومة الأمراض والقدرة على التأقلم مع آثار التغير المناخي.
وحذّرت من أن نحل العسل في الأردن يواجه خطر الانقراض والتراجع في أعداده، مرجعة ذلك إلى عدة عوامل بيئية وزراعية تهدد وجوده.
وأوضحت أن من أبرز الأسباب التي تقف وراء هذا التراجع قلة المرعى الرحيقي والتغيرات المناخية وتذبذب الأمطار، بالإضافة إلى الإزاحات المطرية التي يشهدها العالم بشكل عام، مشيرة إلى أن هذه التغيرات تؤثر بشكل مباشر على البيئة الحاضنة للنحل.
كما لفتت إلى أن خطر استخدام المبيدات الحشرية على المزروعات يعد من التهديدات الكبرى التي تهدد حياة النحل والملقحات الحشرية الأخرى، ما يستدعي اتخاذ إجراءات فورية لحماية هذا الكائن الحيوي.
استشارات وتوزيع مبيدات لمكافحة الأمراض والآفات
وأكدت، أن المركز يسعى إلى حماية قطاع تربية النحل من التدهور من خلال سلسلة من الإجراءات البيئية والصحية، مشيرة إلى أن من أبرز تلك الجهود نشر نتائج الأبحاث التطبيقية التي تُسهم في دعم النحالين وتحسين بيئة تربية النحل.
وأضافت أن المركز قام بإدخال وتشتيل وتوزيع العديد من أصناف الأشتال النباتية مثل أشجار السدر والكينا، والتي تتميز بـتفاوت فترات إزهارها وامتدادها على مدار العام، وذلك بهدف تعزيز المرعى الرحيقي للنحل وتعويض شح النباتات في بعض المواسم، مضيفة أنه تم تعزيز زراعة العديد من النباتات الطبية والعطرية، لدعم الغطاء النباتي وتحسين بيئة النحل الطبيعية.
وأوضحت أن مديرية بحوث النحل تقدم الاستشارات اللازمة للنحالين، خاصة في مجال الكشف عن الأمراض التي تصيب النحل وطرق مكافحتها، مشيرة إلى أن المركز يوزع قرابة 5000 عبوة من مبيد الفبرونيل سنويًا على المزارعين والنحالين مجانًا لمكافحة الدبور الأحمر، وهو من الآفات التي تهدد خلايا النحل.
