صدى الشعب – وكالات
لم يترك الدكتور عدنان البرش (50 عامًا) مكانه ومهمته في إنقاذ جرحى حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية بغزة، حتى اعتقاله في ديسمبر الماضي من مستشفى العودة شمال قطاع غزة، وليعلن في الثاني من الشهر الماضي عن استشهاده في السجون الإسرائيلية تعذيبًا.
ووفق هيئة الأسرى ونادي الأسير، فإنّ البرش وهو رئيس قسم العظام في مستشفى الشفاء بغزة، قضى تعذيبًا في معتقل عوفر الإسرائيلي في التاسع عشر من نيسان (إبريل) الماضي، بعد تعرضه لتعذيب شديد في جلسات التحقيق الميداني، ولا يزال جثمانه محتجزًا لدى قوات الاحتلال حتى اللحظة. وسبق أنْ تعرض الطبيب البرش للإصابة قبل 5 أشهر في مستشفى الإندونيسي جراء القصف الإسرائيليّ.
الأسرى تحت مقصلة الاحتلال
ارتقاء الطبيب البرش والشاب إسماعيل خضر (33 عامًا) يدلل على فظاعة ما يتعرض له الأسرى الفلسطينيون الذين يعتقلون من قطاع غزة، حيث يتعرضون للتعذيب المروع والإخفاء القسري، في حين أفادت صحيفة (هآرتس) في تحقيق سابق لها بوجود وفيات جراء التعذيب، وحالات بتر أطراف، لافتةً في الوقت عينه إلى أنّ جميع السلطات ذات الصلة في الكيان رفضت التعقيب على مقتل الطبيب الشهيد البرش، الأمر الذي يُثير التساؤلات ويؤكِّد أنّ وراء الأكمة ما وراءها.
وذاع صيت الشهيد الطبيب عدنان البرش إبان حصار الاحتلال مستشفى الشفاء في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، حيث أجبرت قوات الاحتلال الطواقم الطبية على ترك المكان تحت تهديد السلاح، بعد أنْ عاثت قتلاً واعتقالاً في صفوف الجرحى والطاقم الطبي والنازحين على حد سواء.
وفي الثامن عشر من نوفمبر الماضي، وبعد خروجه من مجمع الشفاء بغزة، بكى الدكتور البرش بحرقة في لقاء عبر الجزيرة، بسبب إجباره على ترك مرضاه دون رعاية. وقال في حينه: “أدينا الرسالة وأجرنا على الله”.
لم يستسلم الدكتور البرش، بل واصل رسالته الإنسانية في علاج الجرحى في المستشفى الإندونيسي شمال قطاع غزة، ليصاب أيضًا بجروح خلال قصف لقوات الاحتلال.
وحين داهم الاحتلال المستشفى الإندونيسي، اضطر البرش للنزوح للمرة الثالثة صوب مستشفى العودة القريب، بمنطقة تل الزعتر، ليجري اعتقاله بعد أنْ اقتحم الاحتلال المستشفى واعتقل وجرح من فيه، فضلاً عن قتل عدد كبير من الجرحى والنازحين.
منذ ذلك الحين، انقطعت أخبار الطبيب البرش، رغم كل المحاولات لكشف مصيره، ليعلن الخميس قبل الماضي عن استشهاده تحت التعذيب في معتقل عوفر الإسرائيليّ.
من هو عدنان البرش؟
والدكتور عدنان البرش، هو رئيس قسم العظام في مستشفى الشفاء بغزة، رئيس الدائرة الطبية في الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم، وُلِد في جباليا عام 1974، وتلقى فيها الدراسة قبل أنْ يسافر لدراسة الطب في رومانيا.
وبعدها تمكن البرش من الحصول على البورد الفلسطيني والأردني في جراحة العظام والمفاصل، والزمالة البريطانية في الكسور المعقدة، وأخيرًا نال درجة الماجستير في العلوم السياسية من جامعة الأزهر بغزة.
وتؤكّد هيئة الأسرى ونادي الأسير أنّ ما جرى مع البرش بشكلٍ خاصٍّ هو عملية اغتيال متعمدة، تأتي في إطار الاستهداف الممنهج للأطباء في غزة والمنظومة الصحية، ومنها العدوان الذي شنّه الاحتلال على مستشفى الشفاء، واستهداف طاقمه الطبي، وما تلا ذلك من تدميرٍ كلّيٍ للمستشفى، وتحويله إلى مقبرة حيث استُشهد واعتُقل المئات فيه.
الأسرى الشهداء
وباستشهاد البرش وخضر، يرتفع عدد الشهداء المعتقلين الذين ارتقوا في معتقلات الاحتلال الإسرائيليّ ومعسكراته جراء جرائم التعذيب والجرائم الطبية، وسياسة التجويع، إلى (18)، وهم ممّن تمّ الإعلان عن استشهادهم ومعرفة هوياتهم، باستثناء شهيد من عمال غزة، أُعلن عنه دون الكشف عن هويته، منذ 7 أكتوبر الماضي.
ويعتقد أنّ أعداد المعتقلين الشهداء من غزة أكبر، إذ في وقت سابق كان الإعلام العبريّ قد كشف عبر تقارير صحفية، أنّ ما لا يقل عن 27 معتقلاً من غزة استُشهدوا في المعتقلات ومعسكرات الاحتلال الإسرائيلي.
الإخفاء القسري
وحذرت الهيئة والنادي أنّه مع استمرار جريمة الإخفاء القسري بحق معتقلي غزة، فإنّ عدد الشهداء سيتصاعد بين صفوفهم، في ضوء شهادات التعذيب والجرائم الوحشية التي عكستها شهادات المعتقلين الذين أُفرج عنهم، إضافة إلى آثار التعذيب الواضحة على أجسادهم، فضلاً عن الصور ومقاطع الفيديو التي نشرها الاحتلال خلال عمليات الاجتياح البري، والتي تضمنت مشاهد مروعة حول عمليات اعتقال المئات من غزة وهم عراة، ومحتجزون في ظروف تحُطّ بالكرامة الإنسانية، تكفي لأنْ تكون مؤشرًا على ما هو أخطر وأكبر على صعيد مستوى الجرائم التي تنفذ بحقهم.
الجيش ومصلحة السجون: لا تعقيب
يشار إلى أنّ صحيفة (هآرتس) العبريّة نشرت أمس الأحد تقريرًا مفصلاً عن الاغتيال البشع للطبيب الفلسطينيّ، وشدّدّت على أنّها توجهت إلى مصلحة السجون الإسرائيليّة وجيش الاحتلال طلبًا للتعقيب على مقتل الطبيب، إلّا أنّهما رفضا كليًّا الإدلاء بأيّ معلومةٍ عن ظروف استشهاد أحد أمهر جراحي فلسطين، د. البرش.
(رأي اليوم – زهير أندراوس)