ماجد توبه
الكثير من الحضور لحفل تكريمي اقامه المستشفى التخصصي الاثنين لاطباء اردنيين عادوا من غزة بعد ان قضوا اسبوعين يساعدون في علاج المرضى والمصابين هناك، لم يستطيعوا التماسك وانهمرت دموعهم وهم يستمعون لتفاصيل عن حجم الماساة في غزة وعن جوانب مخفية لا يركز عليها الاعلام في الحياة اليومية للاطباء والكوادر الصحية والناس وهم يقارعون الموت والقتل القادم من الطائرات والمدافع الصهيونية على مدار الاربع وعشرين ساعة.
كلنا عشنا عبر الفضائيات وصور وفيديوهات السوشال ميديا الماساة الفلسطينية في غزة والضفة عبر فترة العدوان الطويلة، لكن ما أشر عليه الدكتور الجراح بلال العزام الذي قاد الفريق الطبي الاردني لغزة، بدا مفاجئا وصادما ومعبرا عن الجانب الانساني القاسي والملحمي في حياة الفلسطيني واطبائه وعلمائه ونخبه وناسه العاديين، وهم يُستهدفون اليوم بحرب ابادة متكاملة الاركان تحت سمع وبصر العالم والعرب!
وقبل ان يروي العزام قصصا كثيرة لاطباء وعلماء واطفال ونساء عايشها او رواها له الشهود، لفت الى ان الة الحرب الصهيونية تستهدف بوضوح وبخطة ممنهجة كل النخب الفلسطينية في غزة، من اطباء ومهندسين وعلماء ومهنيين وصحفيين وفنانين وتقنيين بالقتل والملاحقة والاعتقال وقتل اهاليهم ومحاولة اذلالهم وسحق انسانيتهم، ليتخلصوا من كل من يمكن له ان يساهم باعادة اعمار غزة بعد انتهاء الحرب، واعادة الحياة للشعب المنكوب.
ان لم تتمكن الة الحرب الصهيونية من قتل الطبيب او العالم فهي تلجا على ارتكاب مجزرة بحق اهله وعائلته والاقربون منه بمحاولة لنزع اي نفس للمقاومة والصمود في نفسه، هذا ما حصل مع عالم الفيزياء سفيان ابو تايه، رئيس الجامعة الإسلامية في غزة، عندما قصف واستشهد وعائلته قبل اسابيع. وكثله عشرات ومئات الاطباء والمهندسين والصحفيين والمهنيين والمئات من عائلاتهم.
الكيان الصهيوني المجرم يقود بموازاة حرب الابادة في غزة حربا من نوع اخر، تهدف لتصحير المجتمع الفلسطيني وحرمانه من نخبه العلمية والفكرية ودفعها للهرب والهجرة القسرية او القبول بالموت وابادة عائلاتهم، كل ذلك بهدف حرمان فلسطين وغزة ممن يستطيعون اعادة الحياة والمؤسسات للقطاع المنكوب بعد وقف العدوان والحرب، ما يؤكد ويكرس النازية الصهيونية المتحللة من كل اخلاق وقيم، والغارقة بالاجرام والنفي للاخر.
قصص كثيرة رواها العزام عن اطباء كبار في غزة، باتوا يحلمون بابسط مقومات الحياة في صراعهم اليومي مع ما يخلفه العدوان من دمار وقتل وظروف انسانية قاسية، فحتى دخول الحمام صباحا لقضاء الحاجة وغسل الوجه بات حلما وصعب التحقيق ومحل معاناة يومية في ظل تراكم عشرات الاف النازحين بالمستشفيات هربا من حمم الموت القادمة من السماء. اما التنعم بالاستحمام فهذا بات حلما صعب المنال لعدة اشهر، دع عنك نقص الغذاء والماء والدواء والحرمان من الراحة والنوم والغرق بالحزن والماساة وهم يقفون عاجزين عن علاج الكثير من الحالات والاصابات لاطفال ونساء ورجال.
العزام نقل عن زملائه الفلسطينيين ان قوات الاحتلال المعتدية تملك كشوفات باسماء الاطباء والعلماء والمهنيين، وتذهب مباشر لاستهدافهم وعائلاتهم واقاربهم بالقتل والقصف والاعتقال والاذلال. ولا تغيب عنا في هذا السياق قضية اعتقال رئيس مستشفى الشفاء الدكتور محمد ابو سلمية الذي يتعرض منذ اكثر من شهرين لتعذيب نازي تشيب له الرؤوس.
الصمود والثبات والرباط هو شعار كل فلسطينيي غزة ونخبها العلمية، ورغم كل قساوة الواقع هناك الذي لا يمكن تصور بشاعته وبؤسه، فهم متمسكون بالصبر والثبات وعدم التسليم لبرابرة العصر في ملحمة بطولية عز نظيرها في التاريخ، وهم واثقون ان النصر صبر ساعة.