في الوقت الذي تعقد فيه لجنة العمل والتنمية الاجتماعية والسكان النيابية، الاجتماع تلو الآخر، وتلتقي بخبراء ومتخصصين، لمناقشة مشروع القانون المعدل لقانون العمل، بُغية الخروج بقانون يُنصف جميع الأطراف، وخصوصًا فئة العمال، تخرج علينا منظمات مجتمع مدني، مدعية، بكل نشوة، أنها هي الوحيدة التي تُدافع عن هذه الفئة، وتُناصرها، تحت ادعاء الخوف على مصلحتها.
فتلك المنظمات، لا تفوت فرصة، سواء كان اجتماعًا أو لقاء أو مناسبة، إلا وتُطالب بتعديل «معدل العمل»، وبشكل كامل، واصفة جُل مواده، إن لم يكن كلها، بأنه يشوبها اختلالات وتشوهات، لا تتفق والمعايير الدولية.
الوصول إلى قانون عمل، عصري، مُنصف للجميع، هو هدف وغاية لكل إنسان عاقل سوي، خصوصًا في ظل وجود 48 بالمائة من العاملين في الأردن، هم خارج نطاق منظومة الحماية الاجتماعية، ما يُنذر بنواقيس خطر!
لكن ما هو غير منطقي، هو تركيز بعض منظمات المجتمع المدني على نقطتين، بنظرها هما مهمتان جدًا.. ورغم صدق وصحة ذلك، إلا أنه يتم المبالغة فيهما، بطريقة غير مبررة.
أولى هاتين النقطتين، هي المادة 69 من قانون العمل، والتي تتحدث عن الأوقات والأعمال المحظور تشغيل المرأة فيها.. تلك المنظمات ترى أن هذه المادة تُكرس التمييز ضد المرأة، وتُلحق ضررًا في منافستها بفرص العمل، وتقول إن ذلك مستند على مفاهيم ثقافية واجتماعية.
يجب أن لا ننسى أننا ما نزال مجتمعا محافظا، وفي الوقت نفسه يُقدر ويُجل المرأة ويعمل على راحتها، رغم أن هناك أناسا، وهم قلة، لا يؤمنون بذلك.
يجب أن لا نتناسى بأننا مجتمع يخاف على الأنثى، خوفا نابعا من أن يلحقها تعب لا تحتمله أو أذى لا تقدر على رده، لا خوف ناجما عن عدم الثقة بها.. فالمرأة العاملة، ونحن أناس تربينا على احترام المرأة وتقديرها، لا بل والعمل على راحتها، ضمن حدود إمكاناتنا واستطاعتنا، فلا يُكلف الله نفسًا إلا وسعها.
تلك المنظمات تؤمن بلا أدنى شك بمنظمة العمل الدولية، أكثر من إيمانها بوطن يجب الإخلاص له والانتماء إليه، فهي تتبنى دومًا ما تُنادي به منظمة العمل الدولية والتي تُشير إلى «أن معايير العمل ليلًا، يجب أن تسري على الجنسين، وليس على النساء فقط، وأن الأصل جواز العمل ليلًا للجميع ذكورًا وإناثًا»… لكنها وللأسف لا تؤمن بأن لكل مجتمع ظروفه وعاداته وتقاليده، نشأ وترعرع عليها، فما يُتقبل هنا لا يُتقبل هناك، والعكس صحيح مائة بالمائة.
وضع معايير لعمل المرأة، ليلًا، لا يُنقص من قدرها واحترامها بشيء، وليس فيه تضييق على حريتها، فنحن قوم تربينا على أن نضع المرأة فوق رؤوسنا، ونعمل قدر الإمكان على راحتها.
يطالبون بإزالة الفروقات بين المرأة والرجل في المعاملة بشأن أوقات العمل، ويدعون بأن العمل الليلي للمرأة أصبح «ضرورة للحياة».. لا أحد يستطيع أن يُنكر بأن العمل ضرورة، وخصوصًا في ظل الأوضاع الراهنة، ولا أحد يُنكر أن على المرأة أن تعمل، لكن في الأوقات المتأخرة من الليل، وهنا أعني بعد العاشرة مساء، صعبة على مجتمع مثل الأردن.
النقطة الثانية، التي تُركز عليها تلك المجتمعات، «التحرش الجنسي» في أماكن العمل. نعم قد تكون هناك بعض العاملات في منشآت تعرضن لـ»تحرش جنسي»، سواء كان عن طريق الإيحاء أو الكلام أو الفعل.. لكن ذلك ليس بظاهرة أبدا، فالكثير من المنشآت لا يقع فيها مثل تلك الحوادث.
السؤال المهم، لماذا يتم التركيز، في كل مناسبة، على هاتين النقطتين، وكأنه يُراد أن يتم تصورينا بأننا مضطهدون للمرأة، من خلال التضييق عليها بأوقات العمل، وكذلك كأن التحرش فيها أمر سهل جدًا، وموجود بشكل اعتيادي، في المنشآت!