العودة إلى ما قبل 2020

 

ربما يحمل عنوان المقال أمنيات عصية على التحقق، أو صعبة جدا خلال الأوضاع الراهنة، فالتحديات التي شهدها العالم في العام 2020، أربكت الحياة العامة على مختلف الصعد، وتسببت بخسائر فادحة لاقتصادات جميع الدول، وأيضا، أدت إلى ضغط كبير على القطاعات الصحية التي انهار بعضها جزئيا على وقع انفجار الإصابات بفيروس كورونا.
ومع ذلك، فنحن بشر محكومون بالأمل وبالتطلع إلى الأمام، فمع دخول العام 2021 أشعلت لقاحات ضد الفيروس الآمال من جديد بإمكانية العودة إلى حياتنا الطبيعية. ربما من هذه الزاوية بالذات اختار جلالة الملك أن يوجه الحكومة إلى دراسة إمكانية إعادة عمل القطاعات المختلفة، وعلى رأسها عودة التعليم الوجاهي الذي ظهر كمطلب أساسي للعائلات الأردنية خلال الأشهر الماضية، خصوصا مع العديد من الملاحظات والتحفظات على عملية التعليم عن بعد.
التوجيه الملكي تأسس على شعور بالضغوطات الكبيرة التي يتعرض لها المواطن اليوم بسبب الإجراءات التي اتخذتها الحكومة لمنع تفشي الوباء، ومحاصرته منعا لخروجه عن إطار السيطرة. ورغم الاعتراف بضرورة تلك الإجراءات، إلا أنها تسببت بكثير من الخسائر المادية والمعنوية للمواطن، سواء كانت خسائر في القطاعات الاقتصادية، أو خسائر تعليمية لدى الطلبة.
الخياران صعبان، لكنه كأب يدرك جلالته أن عودة الطلبة للمدارس أمر ضروري من أجل تلقي تعليم لائق يحقق الأهداف التي وضعها الأردن للتعليم، وفي الوقت ذاته لا يغفل جلالته أن من أسس هذه العودة ضمان الحفاظ على سلامة الطلبة. الملك يدرك حساسية الموازنة بين إعادة الحياة إلى طبيعتها من جهة، ومن جهة أخرى التحديات الصحية التي تواجه المجتمعات العالمية، ومن ضمنها المجتمع الأردني.
بالتأكيد، حمّل التوجيه الملكي، إلى عودة مدروسة لعمل القطاعات وفتح المدارس، الحكومة مسؤولية كبيرة تجاه العمل على خفض نسب الإصابات أو إنهائها لضمان حماية القطاعات العائدة، وعلى رأسها الطلبة والمعلمون.
هنا يتبدى الدور المهم الذي لا بد للمواطن من أن يلعبه لجعل هذه المهمة أكثر سهولة على الحكومة من خلال الالتزام بجميع البروتوكولات والسلوكيات الصحية. غير أن ذلك لن يكون كافيا ما لم نصل إلى مناعة مجتمعية لن تتأتى بواسطة الإصابة بالفيروس والشفاء منه كما يروج كثيرون، بل من خلال إعطاء المطاعيم لأكبر شريحة من الأردنيين، والذين يجب أن يتعاملوا مع هذا الأمر بعيدا عن التشكيك غير العلمي.
الجميع تواق للعودة إلى الحياة شبه الطبيعية، فليس معقولا أن يظل يومنا منقوصا بواسطة الحظر الشامل أو الجزئي، وما يترتب على ذلك من آثار كارثية على كثير من القطاعات، علاوة على الآثار الاقتصادية والنفسية على المواطنين. لكن أي عودة غير مدروسة بشكل واقعي وسليم ستكون بمثابة مغامرة غير محسوبة النتائج، وقد تؤدي بنا إلى العودة أميالا إلى الوراء، ومثل هذه الانتكاسة قد تكون كلفها عالية جدا بحيث لا نستطيع تحملها.
إذن، وأمام التوجيه الملكي فالحكومة ملزمة بالعمل على تحقيق هذه المعادلة خلال مدة قصيرة قبل أن تداهمها بداية الفصل الدراسي الثاني فيما يخص قطاع التعليم. في الجانب الآخر على المواطن الذي يرفع صوته منذ أشهر مطالبا بالعودة إلى التعليم الوجاهي وإلغاء الحظر بشقيه أن يتعامل بواقعية مع دعوته هذه وأن يضمن هو نفسه بأن تكون العودة فعلا مدروسة وآمنة لأبنائه في دور العلم.

أخبار أخرى