صدى الشعب – حلا الخالدي
شهدت ظاهرة التسول في المملكة خلال العام الحالي تزايدًا لافتًا، ما دفع الجهات الرسمية إلى تكثيف جهودها في حملات ميدانية شملت مختلف محافظات المملكة.
وأظهرت البيانات الصادرة عن وحدات مكافحة التسول ضبط أكثر من 1820 متسولًا منذ مطلع العام، في أكثر من 1150 حملة أمنية، مع تسجيل ذروة النشاط خلال شهر رمضان حيث تم ضبط 335 متسولًا.
وتتجاوز الظاهرة كونها مجرد انعكاس للحاجة أو الفقر، لتتحول إلى شبكة منظمة تستغل فئات هشة كالأطفال والنساء وكبار السن، ما يثير قلقًا متزايدًا من تزايد الانتهاكات واستغلال الضعفاء، كما بات التسول يستخدم كغطاء لعمليات إجرامية تشمل مراقبة المنازل بهدف السرقة وترويج الممنوعات، ما يضاعف من مخاطرها على المجتمع.
وفي ظل هذه التطورات، تتكاتف جهود الجهات الأمنية مع المجتمع المدني لتوجيه الدعم عبر القنوات الرسمية، وتعزيز الحملات التوعوية، في سبيل الحد من هذه الظاهرة التي تهدد النسيج الاجتماعي وأمن المواطنين.
التسول يرتبط بعصابات واحتيال منظم
وفي هذا السياق، حذرت الاستشارية النفسية والأسرية والتربوية، حنين البطوش، من خطورة ظاهرة التسول على المستويات الاجتماعية والاقتصادية والسياحية، مؤكدة أن هذه الظاهرة ليست مجرد مشهد عابر في الشوارع، بل هي انعكاس لجروح اقتصادية واجتماعية ونفسية عميقة، وأن مواجهتها تتطلب حلولًا شاملة ومعالجات جذرية.
وقالت إن التسول ينتج عن مجموعة من العوامل المتشابكة التي تختلف من شخص لآخر، أبرزها الفقر والبطالة وارتفاع تكاليف المعيشة، ما يدفع بعض الأفراد للجوء إليه كوسيلة للبقاء.
وأشارت إلى أن الإدمان والأمراض النفسية يلعبان دورًا محوريًا في تفاقم الظاهرة، إذ يضطر البعض للتسول لتغطية نفقات الإدمان أو نتيجة حالات نفسية تحدّ من قدرتهم على العمل.
كما لفتت إلى أن الاستغلال المنظّم يعد من أخطر أسباب انتشار التسول، حيث تقع فئات هشة مثل الأطفال وذوي الإعاقة ضحايا لعصابات تستخدمهم كمصدر للربح غير المشروع، وفي بعض الحالات، يتحول التسول إلى “مهنة مربحة” يمارسها البعض بوعي كامل، وقد تُورَّث عبر الأجيال، خصوصًا في بيئات يغيب فيها الوعي المجتمعي.
وأضافت أن الأمية وقلة التعليم تضيقان فرص الحصول على عمل، فيما تؤدي الحروب والنزوح القسري والكوارث إلى فقدان المأوى ومصادر الدخل، ويزيد غياب شبكات الدعم الاجتماعي من مأساة المتضررين.
وأكدت أن ضعف الوازع الديني والقيمي يسهّل على البعض الاعتماد على التسول بدل السعي وراء العمل الشريف، مشيرة إلى أن العجز أو الإعاقة من دون توفير خدمات تأهيل وفرص عمل مناسبة تدفع البعض لهذا السلوك، فيما تؤثر القدوة السلبية في الطفولة، عندما ينشأ الأطفال في بيئة تعتبر التسول أمرًا طبيعيًا.
وبيّنت أن للتسول انعكاسات سلبية على صورة البلد واقتصاده، حيث يؤدي انتشاره في الشوارع والمواقع الحيوية إلى انطباع غير لائق أمام الزوار والسائحين، ويشوّه صورة الدولة سياحيًا، بل ويجعل بعض السياح يشعرون بالانزعاج أو المضايقة نتيجة الإلحاح أو الملاحقة، ما قد يدفعهم للعزوف عن العودة أو نقل صورة سلبية لغيرهم.
وأضافت أن الظاهرة قد ترتبط بأنشطة غير قانونية مثل الاحتيال، مما يضر بمستوى الأمان العام ويؤثر على ثقة المستثمرين والزوار، كما يعكس التسول ضعف البنية الاجتماعية والخدمات الحكومية، ما يعطي انطباعًا بغياب حلول فعالة لمعالجة الفقر والبطالة.
توعية مجتمعية وعقوبات صارمة
وأوضحت أن المجتمع ينقسم في نظرته إلى المتسولين؛ فبينما يرى البعض أنهم ضحايا للفقر ويستحقون المساعدة، يعتبرهم آخرون محتالين أو مصدر إزعاج، وهذا التباين يعيق إيجاد حلول فعالة.
وأكدت أن الحكم العام غير منصف، إذ تختلف الحالات؛ فهناك من أجبرتهم الظروف القاسية على التسول، وهناك من اختاره كمصدر رزق، وصولًا إلى حالات الاحتيال والتظاهر بالحاجة.
وشددت على ضرورة توجيه المساعدات الخيرية إلى المؤسسات الموثوقة بدل إعطائها مباشرة للمتسولين، لضمان وصول الدعم لمستحقيه ومكافحة التسول المنظم، مع أهمية إرشاد المتسولين إلى الجهات التي تقدم الدعم الحكومي أو الأهلي.
وأشارت إلى أن الحل الجذري يبدأ بـ معالجة الأسباب الجذرية للتسول، مثل تحسين الأوضاع الاقتصادية وتوفير فرص العمل وإنشاء شبكات حماية اجتماعية للأسر الأكثر احتياجًا، إضافة إلى مراقبة الأماكن العامة والمناطق السياحية، والعمل على برامج إعادة دمج المتسولين بالمجتمع عبر توفير المأوى والرعاية الصحية والنفسية والتدريب المهني.
كما دعت إلى تغليظ العقوبات على عصابات التسول وتجريم استغلال الأطفال وذوي الإعاقة، وتعزيز التعاون بين الأجهزة الأمنية والجهات الاجتماعية، إلى جانب إطلاق حملات توعية لتغيير نظرة المجتمع للتسول وتشجيع دعم الفقراء عبر القنوات الرسمية.
الأطفال ضحايا استغلال نفسي واجتماعي
وتطرقت البطوش إلى الأضرار النفسية العميقة التي يتعرض لها المتسول، مثل فقدان الكرامة واحترام الذات، والقلق الدائم بشأن تأمين الاحتياجات الأساسية، والشعور بالعزلة الاجتماعية، إضافة إلى مخاطر العنف الجسدي أو اللفظي والاستغلال الجنسي أو الاقتصادي.
وقالت إن بعض المتسولين يفقدون الدافعية للعمل ويستسلمون لوضعهم، وقد يلجؤون إلى الإدمان كآلية هروب، فيما يفاقم التهميش المجتمعي من مشاكلهم النفسية ويدفعهم نحو الاكتئاب واليأس.
وأضافت أن الأطفال المتسولين يواجهون آثارًا نفسية أشد خطورة، إذ يحرمون من التعليم واللعب، ويعيشون في بيئة غير آمنة، ما ينعكس على نموهم النفسي والمعرفي ويجعلهم عرضة للانحرافات المستقبلية.
واكدت على أن التسول مسؤولية مجتمعية مشتركة، داعية إلى تذكّر أن منح المال مباشرة قد يطيل عمر المشكلة، وأن دعم الجمعيات الموثوقة يفتح أمام المتسولين فرصة لحياة جديدة.
