“استراتيجية الأردنية” تقود حوارا استراتيجيا يابانيا شرق أوسطي شاملا
دبلوماسيون وخبراء: تحقيق السلام في المنطقة يكمن في دعم الأردن كمركز إقليمي
صدى الشعب – زكريا الغول – أجمع دبلوماسيون وأكاديميون خبراء على أن دعم الأردن كمركز إقليمي يمكن أن يكون خطوة مهمة نحو تحقيق الاستقرار والسلام في المنطقة بأكملها؛ إذ إن الأردن لديه تاريخ طويل من الاستقرار النسبي في منطقة الشرق الأوسط، ويعد نموذجا للتسامح الديني والتعايش السلمي بين مختلف الثقافات والأديان.
وأبانوا أن تعزيز الاقتصاد الأردني يسهم في تعزيز الاستقرار الاقتصادي في المنطقة، ما يقلل من التوترات وتعزيز الحوار البناء، فيما يمكن للأردن أن يؤدي دورا مهما في تعزيز التعاون الأمني في المنطقة، سواء من خلال مشاركته في الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب، أو عبر كونه مركزا لتعزيز الحوار الثقافي بين مختلف الشعوب في المنطقة، بما يساهم في تعزيز التفاهم المتبادل وتقبل الاختلافات.
جاء ذلك خلال افتتاح فعاليات النسخة الأولى من مؤتمر الحوار الاستراتيجي بين اليابان والشرق الأوسط، الذي ينظمه مركز الدراسات الإستراتيجية في الجامعة الأردنية اليوم، بالتعاون مع مركز بحوث العلوم المتقدمة والتكنولوجيا المفتوحة في جامعة طوكيو.
وقال رئيس الجامعة الأردنية الدكتور نذير عبيدات إن المؤتمر بنسخته الأولى يشكل مدماكا متينا يقوي بنيانا راسخا في العلاقات الأردنية اليابانية، إذ طالما حكمت علاقات البلدين قيم الاحترام والمحبة والثبات، دون أن تخضع لاعتبارات الربح والخسارة أو المصالح العابرة، بل إنها شكلت نموذجا للعلاقات المحترمة بين الدول، مشيرا إلى أنها نموذج فريد من حيث فلسفتها وعناصرها وآلية تنفيذها، ما يمنح الباحثين في العلوم السياسية والعلاقات الدولية في الجامعات ومراكز الدراسات فرصة فريدة ليدرسوا فلسفة هذه العلاقة ومكنوناتها بوصفها مادة دسمة سيجدون فيها ما يؤكد ثباتها وتميزها وتأثيراتها على شعبي البلدين وخارج حدودهما.
وأوضح عبيدات أن علاقة الأردن باليابان علاقة يستطيع معها البلدان الشقيقان أن يباهيا بها الأمم، وأنه ما كان لها أن تنمو وتزدهر لولا هذا التناغم والمحبة والثقة والاحترام التي جمعت بين العائلة المالكة في أردننا الحبيب والعائلة الإمبراطورية اليابانية.
وأكد عبيدات أن القناعة تزداد في الأردن بشكل مضطرد، وبلا أدنى شك، في أن التعليم والبحث والابتكار والإبداع هي طريقنا للتنمية الحقيقية والنمو الاقتصادي والتطور والاستدامة، وأننا نؤمن في الجامعة الأردنية بأن هذا لن يتحقق إلا من خلال بحث علمي تطبيقي رصين عابر للتخصصات، وبشراكات حقيقية مع القطاع الخاص والصناعات، حيث نتطلع اليوم للأصدقاء في اليابان لمساعدتنا على خلق بيئة وبنية تحتية قادرة على الارتقاء بالبحث العلمي وبباحثينا، ليكونوا قادرين على إقناع الصناعة وأصحاب الأعمال بهذه الشراكات.
وشدد عبيدات أنه قد آن الأوان لندرك، اليوم قبل غد، بأن سبيلنا إلى المستقبل يكمن في العلم والتعليم والبحث العلمي القادر على الوصول ببلدنا إلى درجات الرخاء والتقدم، وأن نملك بحثا علميا يجيب فيه باحثونا عن أسئلة ما زالت بلا إجابات، وأن يكتبوا هذه الإجابات ليقرأها الآخرون.
وفي السياق ذاته، وجّه عبيدات الشكر للوكالة اليابانية للتعاون الدولي (جايكا) على ما قدّمته للجامعة الأردنية، مبديا تطلعه إلى مزيد من هذه الشراكة معها في ظلّ التحولات الهامة التي تقوم بها الجامعة لتنمية الجانب التقنيّ والمهنيّ في برامجها المختلفة، وما يحتّمه ذلك من الحاجة إلى مزيد من التعاون في هذا المقام.
من جانبه، قال مدير مركز الدراسات الاستراتيجية الدكتور زيد عيادات إن المؤتمر يأتي في إطار تعزيز الروابط السياسية والأمنية والأكاديمية بين الجانبين، ومناقشة الدور الياباني المتنامي في الشرق الأوسط ومستقبل العلاقات اليابانية مع دول المنطقة في مجالات التكامل الاقتصادي الإقليمي ونقل التقنية والتنمية.
وبيّن عيادات أن المشهد الأمني العالمي يُظهرُ تغيرا جذريا منذ عقدين، وتهديدات كبرى وحالة من التنافس المحموم التي يشهدها النظام الدولي، في الوقت الذي لم تعد فيه أمريكا أحادية القطب، إذ ثمة مزيد من اللاعبين الدوليين، وبإمكان اليابان أن تكون واحدا منهم.
وأشار عيادات إلى أن تصاعد التوترات في شرق آسيا، خصوصا في بحر الصين الجنوبي يهدد سيادة الدول المجاورة، مع ازدياد مخاوف حدوث اندلاع صراع شامل في الشرق الأوسط، وما يشهده اليابان من تهديدات، يشكل دافعا أساسيا لتعزيز السلام والاستقرار في الشرق الأوسط لمصلحة اليابان، باعتباره وسيلة لمنع تحويل القوات العسكرية الأمريكية بعيدا عن شرق آسيا نحو صراع أكبر في المنطقة، لا سيما مع التحولات في دينامية القوى عالميا وإقليميا، وتزايد الهجمات على السفن في البحر الأحمر.
ودعى عيادات إلى ضرورة استعادة النظام العالمي الأخلاقي لكي يستعيد القانون الدولي ألقه وهيبته، وأن يعود التوازن، وأن تُستدرك حالة الفوضى التي يشهدها العالم.
بدوره، قال السفير الياباني في عمان جيرو أوكوياما إن عام 2024 يشكل الذكرى السبعين للعلاقات الأردنية اليابانية، والذكرى الخمسين لتبادل السفارات، والذكرى الخمسين أيضا لتأسيس (جايكا) في الأردن التي تعد انطلاقة التعاون الفني والعملي.
وقال أوكوياما إن اليابان تنظر للأردن بوصفه شريكا استراتيجيا، وتدعمه كمركز إقليمي في المنطقة، وترى فيه المنفذ على الشرق الأوسط، والرابط الأساسي مع إفريقيا، وتجد أن الأردن قدم أنموذجا اقتصاديا في مواجهة الأزمات، وأعباء اللجوء، وأنموذجا أمنيا مهما محافظا على أمنه واستقراره في مواجهة موجات الربيع العربي.
وحول الأحداث في غزة، قال أوكوياما إن اليابان تتعامل مع الأردن باعتباره الصوت الأوضح المؤثر في سياق الأحداث الذي يذود عن السلام والأمن الاستراتيجي.
بدوره، قال الرئيس المؤسس لمركز بحوث العلوم المتقدمة والتكنولوجيا المفتوحة في جامعة طوكيو الدكتور ساتوشي إيكيوتشي إن اليابان حاضرة بقوة في المشهد الدولي، وتسعى إلى جسر الفجوة بين الدول، والتنسيق بشكل أوسع من أجل المصالح المشتركة.
وأضاف أن دور اليابان في المنطقة بوصفه لاعبا أساسيا يزيد يوما بعد يوم، إذ ضخ استثمارات كبيرة في الشرق الأوسط في برامج البنية التحتية وريادة الأعمال وأنظمة المياه والطاقة، ودعم التحول نحو تخفيض انبعاثات الكربون، في الوقت الذي نجد فيه عددا من البرامج لدة الوكالة اليابانية للتعاون الدولي (جايكا) بقيمة إجمالية بلغت مليارين وأربعمئة مليون، إضافة إلى دفعه أكثر من 11% من محفظة تمويل الاستثمار في (جايكا) عبر دول الشرق الأوسط.
ويسعى الملتقى إلى تقديم مجموعة متنوعة من الرؤى ووجهات النظر في مجالات متعددة حول مستقبل الدور الياباني في الشرق الأوسط والتكامل الاقتصادي بين الجانبين.
ونظرا لاهتمام اليابان بتعزيز السلم والاستقرار في المنطقة، يناقش المؤتمر الفرص المتاحة لطوكيو في خطط المجتمع الدولي في مرحلة ما بعد الحرب على غزة، إلى جانب إعادة الإعمار.
ويناقش المشاركون في المؤتمر التهديد الذي يشكله التطرف والإرهاب على المصالح اليابانية في الشرق الأوسط، في ظل تأثيره الكبير على سلوك الفواعل من الدول واستقرار المنطقة.
وتبحث جلسات المؤتمر كيفية زيادة مستويات التعاون بين طوكيو وشركائها الإقليميين لتعزيز قدرتهم على التعامل مع مثل هذه الأزمات، ودورها في تعزيز قطاعات الطاقة والمياه إلى جانب مشاركتها في خطة التنمية المستدامة في القطاع السياحي.