صدى الشعب – كتبت تغريد جميل قرقودة
في البدء، لم يكن الوطن أرضًا تُداس ولا حدودًا تُرسَم، بل حضنًا يحتضن أحلامنا قبل أجسادنا. هو الذاكرة الأولى والأخيرة، النشيد الذي نحفظه قبل أن ننطق، والوميض الذي يتقد في أعماق الروح، والشعلة التي تسري في دمائنا وتتوهج في عيوننا.
ليس حبُّ الوطن شعارًا موسميًّا، ولا خطبةً حماسيةً سرعان ما تتبخر، بل جذور ضاربةٌ في تربة الروح. هو اختيارٌ يومي أن نبقى أوفياء لاسمه، أن نرفع رايته وإن ثقل الثمن. فالوطن جنةُ الأحياء، لا تُوهب، بل تُبنى بالأيدي والقلوب والدماء.
الوطن… أبٌ وأمٌ في هيئة الأرض
كيف لا يكون الوطن أمًّا تطعم أبناءها من خيرها؟ وأبًا يُربّيهم على شموخ العزّ؟ هو الصوت العميق الذي يهمس في لحظة اغتراب: “عد إليّ… فأنا ظلك المقيم”.
وطنٌ يسامح عثراتنا، يتسع لخطايانا، يمنحنا دون شرط، ويحبّنا كما نحن.
لكن حبه ليس دمعًا ساذجًا ولا لحظة نشيد. الحب الحقيقي تضحية في وقت الشدة، وثبات حين تهتز الأرض. هو أن تزرع الأمل، حتى لو حصدت شوكًا. أن تبني لا أن تهدم. أن ترى في المحنة فرصةً للعناق لا للفرقة. أن تقول مع أهلك: “نحن هنا… ولن نرحل”.
التحديات… نار الذهب
“الوطنية ليست في أن تقول إن بلدك هو الأفضل، بل أن تجعله كذلك”
— جورج برنارد شو
علّمتنا الأيام أن العظمة لا تولد إلا من رحم المحن. التحديات نارٌ تُحرق الضعفاء وتصقل الأقوياء. والوطن الجدير بالبقاء هو الذي يدفع أبناءه من ثقافة الخوف إلى فلسفة الأمل.
فما قيمة الحب إن لم يتحوّل إلى فعل؟ وما قيمة الانتماء إن لم يُختبر ساعة الشدة؟
ها هي الأيام تختبرنا جميعًا: إما أن نكون أوطانًا تمشي، أو أشباه بشر بلا جذور. فالوطن لا يُباع، لا يُستبدل، لا يُترك. بل يُحمى بالعلم والعمل والصدق، وبالعين التي ترى نورًا حتى في عتمة الطريق.
الوطن… ليس ترابًا صامتًا
“الوطن هو المكان الذي نحبه، وهو المكان الذي قد نغادره بأجسادنا، لكنه لا يغادر أرواحنا”
— نيلسون مانديلا
الوطن ليس حجارةً باردة، بل كائنٌ يتنفّس بنا. يحزن إن خذلناه، ويفرح إن وفيناه.
واجبنا نحوه ليس مجرد التزامٍ سياسي أو قانوني، بل مسؤولية أخلاقية، وجودية.
كيف ندّعي الحياة، إن لم نعش من أجل ما يُحيينا؟
في النهاية… الوطن حكاية لا تنتهي. هو الحلمُ الذي يُعاد صنعه كل يوم. فلنكن ذلك الجيل الذي يُضحّي لا ليُذكَر، بل ليبقى الوطن يُذكَر.
لأن الأرض ليست ملكًا لنا… بل نحن الذين ننتمي إليها.
“الوطن هو الكلمة الوحيدة التي حين ننطقها، يتردد صداها في أعماقنا قبل أن تسمعها آذاننا”
وانا اقول:-
ليس الوطن ترابًا ولا حدودًا مرسومة… بل كائن يتنفّس فينا، نحيا به، ونحيا لأجله.