صدى الشعب – كتبت د.أحلام ناصر
تشهد مرحلة المراهقة تغيرات نفسية وجسدية تجعل الأفراد أكثر تأثرًا بالعوامل المحيطة، مما يجعلهم عرضة لاكتساب سلوكيات جديدة، سواء إيجابية أو سلبية. ومع الانتشار الواسع لوسائل التواصل الاجتماعي والألعاب الإلكترونية، أصبح المراهقون أكثر انغماسًا في عوالم افتراضية تروج للعنف بشكل مباشر أو غير مباشر.
في المقابل، تراجع دور الأهل في التوجيه والإرشاد نتيجة الضغوط الاقتصادية والاجتماعية التي جعلت الكثير من الآباء والأمهات غارقين في توفير الاحتياجات المادية، بينما يُترك الأبناء في مواجهة محتوى غير مراقب يسهم في تشكيل شخصياتهم وسلوكياتهم.
تُعد وسائل التواصل الاجتماعي بيئة خصبة لنقل السلوكيات العنيفة بين المراهقين، حيث تؤثر عليهم بعدة طرق. يؤدي التعرض المستمر لمقاطع العنف على وسائل التواصل الاجتماعي، سواء من خلال الأخبار أو التحديات المنتشرة على منصات مثل “تيك توك” و”إنستغرام”، إلى تقليل حساسية المراهقين تجاه العنف، مما يجعله سلوكًا مقبولًا لديهم. كما أن التنمر الإلكتروني، الذي ازداد انتشاره مع توسع هذه المنصات، يجعل العديد من المراهقين عرضة للمضايقات التي قد تدفعهم إلى ردود أفعال عنيفة جسدية ونفسية ومنها التنمر بين الاخوة داخل الأسرة والاماكن العامة والمجتمع.
إضافة إلى ذلك، يعيش المراهقون في بيئة من المقارنات الاجتماعية المستمرة، حيث يُعرض نمط حياة مثالي عبر الفلاتر والتعديلات، مما يعزز لديهم الشعور بالنقص والضغط النفسي، وقد يتحول هذا الشعور إلى غضب يُفرغ في شكل عنف تجاه الإخوة في المنزل أو الأصدقاء في النوادي والحدائق والاماكن العامة. والأخطر من ذلك، انضمام بعض المراهقين إلى مجموعات عبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة تروج للأفكار العنيفة وتمجد سلوكيات الانتقام، مما يزيد من احتمالية تبنيهم لمثل هذه السلوكيات في الواقع.
وفي نفس السياق، فإن انشغال الأهل عن توجيه أبنائهم بتوفير متطلبات الحياة للاسرة والاطفال، أصبحت الألعاب الإلكترونية تشكل عالمًا بديلًا للمراهقين، لكنها في كثير من الأحيان تروج للعنف وتعزز النزعة العدوانية لديهم. فالألعاب التي تعتمد على القتال والبقاء للأقوى، مثل “فورتنايت” و”كول أوف ديوتي”، تبرمج عقول المراهقين على أن العنف هو الوسيلة الأساسية لتحقيق الأهداف والتفوق. كما أن الانغماس في هذه الألعاب يؤدي إلى إضعاف مهارات حل المشكلات السلمية، حيث يبدأ المراهقون في تبني ردود فعل عدوانية بدلًا من البحث عن حلول عقلانية عند مواجهة النزاعات. ومع غياب الرقابة الأسرية، يقضي العديد من المراهقين ساعات طويلة أمام هذه الألعاب، مما يعزز لديهم العزلة الاجتماعية ويضعف مهارات التفاعل الحقيقي، وهو ما يزيد من احتمالية تصرفهم بعنف عند مواجهة تحديات واقعية في الحياة اليومية.
كما يساهم تزايد تأثير مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي في دفع المراهقين إلى تقليد سلوكياتهم، بما في ذلك الممارسات العدوانية وغير المقبولة مجتمعيًا، نظرًا لارتباط هؤلاء المؤثرين بالنجاح المادي والشهرة التي يحققونها. وتشير الدراسات إلى أن 75% من المراهقين يتأثرون بمحتوى مشاهير الإنترنت، مما يؤثر على هويتهم وسلوكهم، ويدفع بعضهم إلى تبني تصرفات عنيفة تتعارض مع القيم الاجتماعية. ويؤدي هذا التقليد إلى تعزيز النزعة العدوانية لدى المراهقين، مما ينعكس سلبًا على علاقتهم بأسرهم ومحيطهم الاجتماعي.
لماذا تراجع دور الآباء والأمهات في التوجيه؟
يواجه الآباء اليوم تحديات كبيرة تعيق قدرتهم على مراقبة وتوجيه أبنائهم، مما يترك المراهقين عرضة للتأثيرات السلبية لوسائل التواصل الاجتماعي والألعاب الإلكترونية. فالضغوط الاقتصادية تدفع العديد من الآباء إلى قضاء ساعات طويلة في العمل لتأمين احتياجات الأسرة، مما يقلل من فرص تواجدهم مع أبنائهم وتوجيههم. كما أن التغيرات الاجتماعية والتكنولوجية السريعة تجعل من الصعب على الأهل فهم العوالم الرقمية التي ينغمس فيها أبناؤهم، مما يضعف قدرتهم على التدخل أو وضع حدود واضحة لاستخدام هذه الوسائل. إضافة إلى ذلك، لا يزال بعض الآباء يعتمدون على أساليب تربوية تقليدية، مثل التوبيخ والعقاب، بدلًا من تبني أساليب الحوار والتوجيه الفعّال التي تتماشى مع العصر الحديث، والأخطر من ذلك، أن كثيرًا من الأسر باتت تعتمد على وسائل التواصل الاجتماعي كوسيلة لإلهاء الأبناء دون رقابة على المحتوى الذي يشاهدونه، إن غياب التفاعل والرقابة الأسرية الحقيقية يفتح المجال لاكتساب الاطفال والمراهقين سلوكيات غير مرغوبة، بما في ذلك العنف والعدوانية.
ضرورة استعادة دور الأهل في توجيه الأبناء
وللحد من التأثير السلبي الناتج عن محتوى وسائل التواصل الاجتماعي والالعاب الالكترونية على المراهقين، لا بد من استعادة دور الأسرة في التربية والتوجيه، وهو ما يتطلب من الآباء والأمهات اتخاذ خطوات جدية لبناء بيئة أسرية متوازنة تحد من السلوكيات العدوانية. يبدأ ذلك بتخصيص وقت يومي للحوار والمناقشة، حيث يتيح التواصل المنتظم مع الأبناء فرصة لفهم اهتماماتهم ومراقبة المحتوى الذي يتعرضون له عبر الإنترنت والألعاب الإلكترونية. كما يجب وضع قوانين واضحة لتنظيم استخدام الأجهزة الرقمية، مع تقديم بدائل مفيدة مثل ممارسة الرياضة أو الانخراط في الأنشطة الاجتماعية. وإلى جانب ذلك، تلعب التوعية بمخاطر العنف الرقمي دورًا حاسمًا في مساعدة المراهقين على التعامل مع التنمر الإلكتروني والمحتوى الضار بطريقة أكثر وعيًا. كذلك، من الضروري تعليمهم استراتيجيات فعالة لإدارة الغضب وحل النزاعات بعيدًا عن العنف، مثل التفاوض والنقاش الهادئ. وأخيرًا، فإن إشراك الأبناء في اتخاذ القرارات داخل الأسرة يعزز لديهم الشعور بالمسؤولية والانتماء، مما يقلل من احتمالية استخدام العنف كوسيلة للتعبير عن الذات. إن بناء علاقة أسرية قائمة على الحوار والتوجيه الواعي هو السبيل الأمثل لحماية المراهقين من تأثيرات العنف الرقمي وتعزيز سلوكهم الإيجابي داخل المجتمع.
الختام
باتت وسائل التواصل الاجتماعي والألعاب الإلكترونية جزءًا أساسيًا من حياة المراهقين، ومع غياب أو ضعف التوجيه الأسري، تحولت إلى عامل مؤثر في انتشار العنف داخل الأسرة والمجتمع. في ظل التحديات الاقتصادية والاجتماعية، تراجع دور الأهل في ضبط هذا التأثير، مما زاد من تعرض المراهقين لسلوكيات عدوانية تؤثر على علاقاتهم الأسرية والاجتماعية.
لا يكمن الحل في حظر هذه الوسائل، بل في استعادة الدور التربوي للأسرة عبر التوجيه الواعي، وتعزيز الحوار، ومراقبة المحتوى الرقمي. فبناء علاقة قوية بين الأهل وأبنائهم هو الحصن الأول ضد العنف والانحراف، وهو السبيل لضمان بيئة اجتماعية أكثر استقرارًا وأمانًا.
وفي هذا السياق، وتجدر الإشارة إلى أنه، وعلى خطى فرنسا، قام البرلمان الأسترالي بإقرار قانونًا جديدًا يمنع الأطفال دون 16 عامًا من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، ليصبح من أكثر القوانين صرامة عالميًا. حيث يتضمن القانون فرض غرامات تصل إلى 50 مليون دولار أسترالي على الشركات غير الملتزمة، بهدف حماية الأطفال من مخاطر المنصات الرقمية، والذي سيتم تطبيقه عبر تقنيات خاصة للتحقق من العمر، ويحظى القانون الجديد بدعم واسع من الأهالي.