صدى الشعب – كتبت م.ندى أبو عبده
لم يعد العنف ضد الأطفال، سواء كان تنمرًا لفظيًا أو اعتداءً جسديًا، مجرد أخبار عابرة، بل أصبح واقعًا مؤلمًا يتكرر في مدارسنا وشوارعنا وحتى عبر الشاشات.
حادثة الطفل الذي تم حرقه، ثم حادثة الاعتداء الوحشي على طفل آخر، ليست مجرد أحداث فردية، بل نذير خطر يهدد هذا الجيل، جيل ألفا، الذي نشأ وسط عالم رقمي مشحون بالمحتوى العنيف والسلبي.
جيل وُلد في قلب التكنولوجيا
جيل ألفا لم يعرف العالم بدون الإنترنت، فقد وُلد وأعينه مفتوحة على الشاشات، يتلقى منها المعرفة والترفيه وحتى القيم والمفاهيم. وبينما تقدم هذه الشاشات فرصًا للتعلم، فإنها أيضًا تعرض الأطفال لمشاهد العنف والتنمر، سواء من خلال الألعاب الإلكترونية، أو عبر المحتوى المنتشر في وسائل التواصل الاجتماعي، أو حتى في بيئتهم المباشرة حيث يتم استبدال الحوار بالتفاعل القاسي.
هذا الجيل لم يختر هذا الواقع، بل نحن من قدمناه له دون أن نعي حجم التأثير. فالطفل الذي يتعرض لمشاهد العنف يوميًا، أو الذي ينشأ في بيئة لا تضع حدودًا واضحة بين الواقع والافتراضي، سيجد نفسه متأثرًا بسلوكيات يعتقد أنها طبيعية، وربما يعيد تمثيلها على أقرانه دون إدراك للعواقب.
البحث عن المسؤول.. هروب من الواقع
كلما وقعت حادثة مأساوية، تتوجه الأنظار إلى البحث عن مسؤول نلقي عليه اللوم. البعض يتهم المدرسة، وآخرون يحملون الأهل المسؤولية، فيما يوجه البعض أصابع الاتهام إلى الإعلام والتكنولوجيا.
لكن هذه النظرة السطحية تعكس غياب الفهم العميق لطبيعة المشكلة، فالأمر لا يتعلق فقط بتقصير جهة معينة، بل هو نتاج مجتمع بأكمله لم يواكب التطور الرقمي بوعي كافٍ.
المشكلة ليست في وجود التكنولوجيا بحد ذاتها، بل في كيفية استخدامها، وفي غياب الرقابة والتوجيه اللازمين لحماية الأطفال من المحتوى المؤذي، وفي غياب الحوار الذي يتيح للطفل التمييز بين الصواب والخطأ. فبدلاً من البحث عن “شخص” نلومه، علينا أن نسأل: ماذا قدمنا لهذا الجيل؟ وكيف نساعده على مواجهة التحديات بدلاً من أن نتركه يغرق فيها؟
ماذا بعد؟
الحل لا يكمن في منع الأطفال من استخدام التكنولوجيا، بل في خلق توازن بين العالم الرقمي والواقع، وتعليمهم كيفية التعامل مع المحتوى الذي يواجهونه، وتعزيز قيم الاحترام والتسامح في سلوكهم اليومي. يحتاج الأهل إلى دور أكثر فاعلية في متابعة ما يشاهده أبناؤهم، كما تحتاج المدارس إلى إدخال برامج توعية تُعزز التفكير النقدي لدى الأطفال حول ما يتعرضون له من مؤثرات.
جيل ألفا ليس مشكلة تحتاج إلى حل، بل مسؤولية تحتاج إلى وعي حقيقي. وبدلًا من إلقاء اللوم، حان الوقت لنتحرك بجدية لحماية هذا الجيل وتوجيهه نحو مستقبل أكثر أمانًا وإنسانية