صدى الشعب – كتبت سُهاد طالباني
كرجل أعمال، يؤمن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأن السياسة هي فن الصفقات وليست فن الممكن.
وكمفاوض كلاسيكي شرس، يبدأ ترامب مفاوضاته في أي صفقة باتخاذ موقف متشدد منذ البداية، وصولًا إلى عقد صفقة تحقق له الهدف المنشود.
ولذلك بدأ ترامب عهده الرئاسي الثاني برمي مجموعة كبيرة من الأوراق على الطاولة، وجميع هذه الأوراق بلا استثناء أثارت الجدل والحيرة بين كافة اللاعبين والمتابعين، سواء على المستوى المحلي الأمريكي أو على المستوى الدولي.
منذ توليه منصبه، اتبع ترامب نهجًا تفاوضيًا صارمًا، مستندًا إلى خبرته كرجل أعمال، حيث يرى أن السياسة هي امتداد لفن إبرام الصفقات.
يبدأ ترامب مفاوضاته بمواقف متشددة، مستخدمًا التهديدات والتصريحات الصادمة كأدوات تفاوضية، بهدف تحقيق أقصى قدر من المكاسب، هذا الأسلوب، المعروف بـ”نظرية الرجل المجنون”، يهدف إلى إرباك الخصوم ودفعهم لتقديم تنازلات.
هذه الطريقة لم تكن جديدة على عالم المال والأعمال، ولكن تطبيقها على الساحة السياسية العالمية أدى إلى تداعيات واسعة.
فرض ترامب رسومًا جمركية بنسبة 25% على واردات الصلب والألمنيوم، مما أثار قلقًا عالميًا بشأن تأثير هذه الرسوم على الاقتصاد العالمي.
كما اتخذ خطوات أثارت تساؤلات حول مستقبل النظام الدولي، مثل الانسحاب من منظمة الصحة العالمية، واتفاق باريس للمناخ، وتهديده بالانسحاب من حلف شمال الأطلسي (الناتو).
هذه التحركات لم تكن مجرد قرارات سياسية عابرة، بل تعكس استراتيجية تهدف إلى إعادة صياغة المشهد الجيوسياسي وفقًا للمصالح الأمريكية البحتة. داخليًا، أدت سياسات ترامب إلى انقسامات حادة، حيث أثارت قراراته بشأن الهجرة والضرائب والبرامج الاجتماعية جدلًا واسعًا. كما أن تحركاته السريعة لتقليص حجم الحكومة الفيدرالية، والضغط على الحلفاء، وإعادة توجيه الاقتصاد الأمريكي، تركت تأثيرًا واسع النطاق، امتد من المؤسسات الاقتصادية الكبرى إلى المجتمعات المحلية.
على الصعيد الدولي، أثرت سياسات ترامب على العلاقات مع الحلفاء التقليديين، مثل كندا والمكسيك، حيث فرض رسومًا جمركية وأعاد التفاوض على اتفاقيات تجارية، مما أدى إلى توترات دبلوماسية.
أما في الشرق الأوسط، فقد أثارت سياسات ترامب، مثل اقتراحه بتهجير الفلسطينيين من غزة، ردود فعل غاضبة، حيث اعتُبرت هذه الخطوة انتهاكًا لمبادئ القانون الدولي.
كما أن موقفه من الكورد في العراق وسوريا شكّل نقطة خلاف كبرى.
فعلى الرغم من دعم الولايات المتحدة للكورد في محاربة تنظيم داعش، إلا أن ترامب قرر سحب القوات الأمريكية من شمال سوريا في عام 2019، مما فتح المجال أمام تركيا لشن هجوم على القوات الكوردية. هذا القرار أثار انتقادات واسعة، حيث اعتبر خيانة لحلفاء أمريكا التقليديين في المنطقة، وأدى إلى تداعيات إنسانية وأمنية خطيرة.
مع ذلك، ابدى الكورد في سوريا رغبتهم في مواصلة التعاون مع الولايات المتحدة لتحقيق الاستقرار وهزيمة الإرهاب ودعم السلام في شمال شرق سوريا.
تأتي هذه التهاني في وقت يواجه فيه الكورد في سوريا ضغوطًا متزايدة من السلطات الجديدة في دمشق والحكومة التركية لتسليم أسلحتهم.
تستمر الاشتباكات اليومية بين القوات المدعومة من تركيا وقوات سوريا الديمقراطية في أجزاء من شمال سوريا، حيث تعتبر أنقرة هذه القوات امتدادًا لحزب العمال الكردستاني المصنف من قبلها كمنظمة إرهابية.
في مؤتمر صحفي عُقد في 7 يناير، أشار ترامب إلى علاقته بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، موضحًا أنه طلب منه في السابق عدم مهاجمة الكورد، وأن أردوغان استجاب لهذا الطلب في ذلك الوقت. ومع ذلك، لا يزال مستقبل الدعم الأمريكي للكورد غير واضح، خاصة في ظل التوترات المستمرة مع تركيا. وزير الخارجية المعين حديثًا، ماركو روبيو، أكد خلال جلسة استماع في مجلس الشيوخ على أهمية استمرار دعم القوات الكوردية السورية، مشيرًا إلى تضحياتهم الكبيرة في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية واحتجاز مقاتليه في السجون.
بشكل عام، أثرت سياسات ترامب التفاوضية على مكانة الولايات المتحدة في العالم، حيث أدت إلى إعادة تقييم العلاقات الدولية والتحالفات، وأثارت تساؤلات حول مستقبل النظام الدولي في ظل هذه التغيرات.
الأهداف المحتملة لسياسات ترامب تشمل تعزيز مكانة الولايات المتحدة، تحقيق مكاسب اقتصادية، وإعادة تشكيل التحالفات الدولية.
يسعى ترامب إلى إعادة تأكيد الهيمنة الأمريكية، خاصة في نصف الكرة الغربي، من خلال سياسات توسعية تعكس عقيدة “القدر المحتوم” التي تعتبر أن للولايات المتحدة دورًا مقدرًا في توسيع نفوذها.
من خلال فرض رسوم جمركية وتهديدات اقتصادية، يهدف ترامب إلى تحسين شروط التجارة لصالح الولايات المتحدة، حتى لو كان ذلك على حساب حلفائها التقليديين.
كما يعمل على إعادة تقييم العلاقات مع الدول بناءً على مدى توافقها مع المصالح الأمريكية، مما يؤدي إلى تقوية العلاقات مع بعض الدول وإضعافها مع أخرى.
أما قائمة المستفيدين من هذه السياسات، فتشمل إسرائيل، التي حصلت على دعم غير مشروط ، والشركات الكبرى التي استفادت من سياسات ترامب الاقتصادية، خاصة تلك المتعلقة بالتخفيضات الضريبية وتخفيف القيود التنظيمية، وكذلك لعب دور اكبر في السياسات الامريكية، بل أن الملياردير ايون ماسك يعتبر الان احد أهم المؤثرين في هذه السياسات وبشكل مباشر.
في المقابل، تشمل قائمة الخاسرين الدول النامية التي قد تتأثر سلبًا بسياسات ترامب التجارية، خاصة تلك التي تفضل الاتفاقيات الثنائية على التعددية، مما يهدد استقرارها الاقتصادي.
كذلك، الحلفاء التقليديون مثل دول الاتحاد الأوروبي وكندا، الذين واجهوا توترات دبلوماسية وتجارية مع الولايات المتحدة بسبب سياسات ترامب.
يعتمد ترامب على التغطية الإعلامية، سواء كانت إيجابية أو سلبية، كأداة لتعزيز نفوذه والتأثير على الرأي العام.
كما يرى في الأزمات فرصًا لعقد صفقات مربحة، حيث يستغل ضعف الآخرين لتحقيق مكاسب استراتيجية.
تُظهر سياسات ترامب التفاوضية تأثيرًا عميقًا على الساحة الدولية، حيث تعيد تشكيل التحالفات وتؤثر على الاقتصاد العالمي، مع تحقيق بعض المكاسب للولايات المتحدة، ولكنها تثير أيضًا جدلًا واسعًا حول تداعياتها طويلة الأمد.