صدى الشعب – كتبت اسيل صبيحات
شهدت الساحة السياسية في الأردن خلال السنوات الماضية تراجعًا ملحوظًا في منح الثقة للحكومات المتعاقبة من قبل البرلمان، ويُعزى ذلك إلى مجموعة من العوامل التي تتداخل بين ما هو سياسي واقتصادي واجتماعي. هذا المشهد البرلماني يعكس ديناميكية العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، إذ يميل النواب إلى حجب الثقة عندما يشعرون بعدم رضى الشارع أو إخفاق الحكومة في تلبية تطلعات المواطنين.
وغالبًا ما يكون الأداء الحكومي حجر الزاوية في منح أو حجب الثقة. فحينما تفشل الحكومة في تنفيذ البرامج التي أعلنت عنها أو تتراجع عن وعودها التي قدمتها عند تشكيلها، يفقد النواب الثقة في قدرتها على إدارة شؤون البلاد بكفاءة. كما أن ضعف الخطط التنموية والاقتصادية ينعكس سلبًا على حياة المواطنين، ما يدفع النواب إلى التصويت ضد استمرار الحكومة.
أن استمرار التحديات الاقتصادية المزمنة، مثل ارتفاع معدلات البطالة وتفاقم الفقر وزيادة المديونية، تضع الحكومات في مواجهة مباشرة مع البرلمان. في كثير من الأحيان، يُحمّل النواب الحكومة مسؤولية تدهور الأوضاع المعيشية، ما يجعل منح الثقة لها أمرًا صعبًا، خاصة إذا فشلت في تقديم حلول واقعية للأزمات القائمة.
وضعف التنسيق بين الحكومة ومجلس النواب وغياب التشاركية في صنع القرار يؤديان إلى شعور النواب بالتهميش، ما يخلق حالة من التوتر وعدم الثقة. عندما تتجاهل الحكومة مقترحات النواب أو لا تأخذ ملاحظاتهم بعين الاعتبار، يتولد لديهم دافع أقوى لحجب الثقة عنها. ويتولد
الصراعات السياسية بين الحكومة وبعض الكتل النيابية أو الأحزاب داخل البرلمان تسهم أيضًا في حجب الثقة. ففي أجواء مشحونة بالخلافات السياسية، يصبح من الصعب على النواب منح الثقة لحكومة لا تنسجم مع رؤاهم أو مطالبهم. كذلك، قد تؤثر ضغوط المعارضة والرأي العام في دفع النواب إلى اتخاذ مواقف أكثر حدة تجاه الحكومة. فعلى سبيل المثال
لا يمكن إغفال تأثير الشارع الأردني والاحتجاجات الشعبية على قرارات البرلمان. يسعى النواب إلى كسب تأييد ناخبيهم والحفاظ على شعبيتهم من خلال تبني مواقف تتماشى مع مطالب المواطنين، الأمر الذي يؤدي في بعض الأحيان إلى حجب الثقة كوسيلة لإظهار تضامنهم مع الشارع من خلال
اتهام بعض أعضاء الحكومة بالتقصير أو التورط في قضايا فساد يُضعف موقف الحكومة أمام البرلمان. فالنواب يجدون أنفسهم مضطرين إلى اتخاذ موقف حازم في مثل هذه الحالات، حفاظًا على مصداقيتهم أمام قواعدهم الانتخابية.
وتلعب الضغوط السياسية والعشائرية دورًا بارزًا في توجيه مواقف بعض النواب. ففي بيئة سياسية تتداخل فيها المصالح الشخصية والجماعية، قد تؤدي هذه الضغوط إلى حجب الثقة أو منحها بناءً على اعتبارات خاصة لا ترتبط مباشرة بأداء الحكومة.
خاتمة
إن انخفاض منح الثقة أو حجبها في البرلمان الأردني يعكس مشهدًا سياسيًا يتسم بتعقيدات متعددة الأبعاد. العلاقة بين الحكومة والبرلمان ليست مجرد مسألة تنفيذ برامج أو تحقيق إنجازات، بل تتأثر كذلك بعوامل اقتصادية وسياسية واجتماعية متداخلة. ومع استمرار هذه العوامل في التأثير على القرار البرلماني، يبقى منح الثقة أو حجبها مسألة مرتبطة بالتفاعلات الديناميكية داخل المشهد السياسي الأردني.