نبيل الكوفحي
خلق الله الناس احرارا ( متى استعبدتم النّاس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً)، وتأتي العبودية ضمن حياة البشر اختيارية نتيجة عوامل نفسية وظرفية، ولم تكن العبودية جبرا لأحد حتى وان كان في الاسر او الحبس.
موقف جنوب افريقيا في دعوى الابادة الجماعيه على كيان الاحتلال يعبر عن دولة حرة، تحتكم لضمير انساني. لم يرتهن لمصالح مع الغرب مع كونها مستعمرة بريطانية سابقا، ولم يأت استجابة لعرى ” الأخوة العربية او الاسلامية” التي تربطها بالشعب العربي في فلسطين، ولا لحقوق جوار ولا اتفاقية دفاع مشترك كما حال “دول الجامعة العربية”.
ان هدا الموقف يعبر عن الارادة المستقلة، فكذب كل استقلال لأي دولة لا ينعكس بارادة حرة للدولة. ان هذا الموقف يدعوا للفخر لدى الاحرار اياً كانت بلدانهم ودياناتهم ولغاتهم والوانهم، موقف عبر عنه
رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا بكل وضوح : «يقول البعض إن الخطوة التي اتخذناها محفوفة بالمخاطر، نحن بلد صغير ولدينا اقتصاد صغير، قد يهاجموننا، لكننا سنظل متمسكين بمبادئنا».
ان الحرية قيمة واحدة لا تتجزأ، ووصف واحد لا يتعدد، لذلك اطلقت على أصحابه ” الأحرار” ، بينما للعبودية أشكال وصور شتى، لذلك اطلقت على من يرزخون فيه ” عبيداً” بدون ” ال” التعريف. ان الفقير يبقى حرا وان جاع مالم يتاجر بعرضه وشرفه، لذا قالت العرب ( تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها). والاسير والسجين يبقى حرا مهما عذب و أوذي مادام ثابتا على مبدئه منحازا للحق ومصلحة الوطن. مات الشهيد عمر المختار وهو مكبل على أعواد المشانق لكنه بقي حراً بل أيقونة للحرية. ومات الشهيد صدام حسين على أعواد المشانق، ولا زالا محل فخر وترحم.
هاهم المجاهدون الاحرار في غزة وفلسطين، يجتمع عليهم كل فراعنة الارض، يخذلهم الجار والأخ والصديق، يقدمون دمائهم شهداء وجرحى، لكنهم لم يرفعوا راية عبودية قط، ولن يرفعوها باذن الله. هذه الرؤوس المرفوعة وان كانت تنزف دما، والجباه العالية وان كان يعلوها غبار القصف الدمار ، هي التي جعلت دولة كجنوب افريقيا وغيرها تنتصر لهم،
ان الفراعنة يُعبّدون الناس لهم بطاعتهم خوفا منهم، وقد يكون غالب هذا التخويف منعا ” لمساعدات” وما آمنوا ( إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين ) او تهديدات بأمور صغيرة أخرى ولم يدركوا قوله ( قل لن يصيبنا الا ما كتب الله لنا).
ان التاريخ لا يفتح سجلاته الا للأحرار الشجعان فقط، وقد مر على البشرية الاف الجبناء والعبيد ممن تحكموا في رقاب العباد ولم يعد احد يعرف عنهم شيئا. في سجلات التاريخ خالد بن الوليد رضي الله عنه وهو القائل ( فلا نامت اعين الجبناء)، وسجل فيه عبدالله بن رواحه رضي الله عنه وهو يحدث نفسه ( يا نفس ان لم تقتلي تموتي …)، كما سجل صلاح الدين الايوبي ومحمد الفاتح وقطز وغيرهم رحمهم الله.
شكرا لنلسون مانديلا ايقونة الحرية الذي اورث بلاده عزا وفخرا بمحبسه الطويل حتى حررها، وشكرا لأحفاده من جديد الذين سطروا سابقة تاريخية لم يسبقها لهم أحد. ( والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون).