في ذكرى الإعلان العالمي

منذ خروج العالم من الحرب العالمية الثانية وتوجه اقطابها الى تأسيس منظمة جديدة تحافظ على السلم العالمي وتحول دون تكرار الحرب وويلاتها وتطور اوضاع الانسانية والعالم يحرز تقدماً نحو الافضل. في كل أرجاء المعمورة ومع تزايد الانضمام الى هيئة الامم المتحدة تبنى العالم رؤى واهدافا انسانية شكلت معايير لتحسين مستوى ونوعية حقوق الانسان ورفعت الكثير من الظلم والتعدي على الفئات الأكثر عرضة للتجاوز والتهميش في كثير من اقاليم وبلدان العالم. المدهش حقاً ان الامور كانت وما تزال تسير نحو الافضل في معظم أرجاء العالم مع وجود بعض الانتكاسات هنا والتراجع المؤقت هناك. في العالم العربي لم تتبدل الاحوال كثيراً بالرغم من وجود الثروات والاسباب التي كان من الممكن ان تحدث التغيير.
طوال هذه الحقبة وحتى مطلع الالفية الثالثة شهدت اوضاع العالم العربي بعض التحسن لكن ذلك ما لبث أن تلاشى لتصبح الامة وشعوبها في اوضاع تصعب مقارنتها بأوضاع اي من الاقاليم والشعوب الاخرى فأكثر من نصف الصراعات التي حدثت في العالم تقوم على الارض العربية وتودي بحياة الملايين منهم والانظمة مشغولة باستيراد وتصنيع الاسلحة وتأسيس وتطوير الجيوش والديمقراطيات تأخرت كثيراً عن الشعوب التي استسلمت لحالة من اليأس وعدم الاكتراث.
الأسباب التي حالت دون التغيير والتقدم نحو التنمية واحترام حقوق الانسان كثيرة والخلافات التي نشبت بين القوى المهتمة بالتغيير دفعت الى تحول المجال الحيوي العربي الى ساحة للصراع والانشقاقات والنزاع الايديولوجي المذهبي الفكري.
الإفساد الذي لحق بالعمل السياسي وتداخل العام مع الخاص والدين مع السياسة والايديولوجيا مع المنهج عمل على تعقيد المشهد واعاق الكثير من محاولات التغيير التي تظهر بين فترة واخرى.
في العراق الذي جرى تدميره باسم الحرية وحقوق الانسان اصبحت البلاد تعاني مشكلات مركبة تطال كل جوانب الحياة والعلاقة بين مكونات المجتمع وادارة الموارد وكما في العراق اصبحت سورية واليمن وليبيا ميادين لتجريب الاسلحة وتصفية الحسابات بين الزعامات والقوى الاقليمية والدولية.
في البلدان العربية التي أصبحت منقسمة الى مجتمعات الرفاه وبلدان المعاناة هناك الكثير مما يمكن العمل على تحقيقه للانسان العربي اذا ما توفرت الرغبة. اصرار بعضهم على ابقاء الاوضاع او اعاقة اي جهود للتغيير يخدم المجتمعات ولا يؤهلها للاستمرار في عالم تحكمه روح المنافسة والتجديد.
في الذكرى السنوية للاعلان العالمي لحقوق الانسان الذي تبنته الامم المتحدة في 10 كانون الأول (ديسمبر) 1948 يحزن ان نشهد عشرات التعديات على حقوق الانسان العربي في الكرامة والحياة والتعبير وفقدانه لمقومات الحياة الكريمة وتعرضه للتهديد والخوف والقلق.
المراجعة السريعة للانجاز العربي على المعايير المشتركة التي رسم الاعلان العالمي مساراتها تشير الى اننا اخفقنا كثيراً فلا يزال الموت والقتل والتمييز والجوع والجهل والبطالة والسجن والتعذيب والحرمان من الحقوق والتمييز وغيرها من التعديات ماثلة للعيان ولا أمل في تبدلها.
السنوات الماضية من حكم الرئيس ترامب أضعفت اهتمام الولايات المتحدة والكثير من المنظمات الدولية بمتابعة اوضاع الحقوق ومنهجية الدفاع عنها فقد تسامح الرئيس مع كل ما يمكن ان يحقق المصالح الاقتصادية لبلاده حتى وإن شكل تجاوزا على الحقوق والمبادئ. فيما بعد جاءت الجائحة لتكسب مفهوم «تكميم الافواه» دلالة جديدة فتختلط الامور ويصبح التكميم في ذهن بعضهم مقبولاً ومبرراً ويتحول الى مطلب تعمل المؤسسات على ضمان تنفيذه.

أخبار أخرى