صدى الشعب – سليمان أبو خرمة
فيما تتزايد المطالبات برفع رواتب موظفي القطاع العام والعاملين والمتقاعدين مع اقتراب مناقشات موازنة عام 2026، في ظل أوضاع معيشية صعبة وارتفاع مستمر في الأسعار.
ويرى العديد أن المطالبات النيابية الأخيرة بإدراج بند لزيادة الرواتب ضمن مشروع الموازنة، تعكس حالة الضغط الشعبي الناتجة عن ثبات الأجور منذ سنوات طويلة، مقابل اتساع الفجوة بين الدخل وتكاليف الحياة اليومية.
ومع تباين الآراء حول قدرة الموازنة العامة على تحمل أي زيادات جديدة، يبقى ملف الرواتب في صدارة الاهتمام، باعتباره أحد أكثر العناوين ارتباطًا بحياة المواطنين ومؤشرًا على توازن السياسات الاقتصادية والاجتماعية في المرحلة المقبلة.
أولوية الإنفاق يجب أن تكون لرفع الأجور لا شراء الخدمات برواتب عالية
وبهذا الإطار، أكد رئيس مركز “بيت العمال”، حمادة أبو نجمة، أن رفع رواتب موظفي القطاع العام بات ضرورة اقتصادية واجتماعية، حتى وإن اتخذ البعض من هذا الملف طابعًا سياسيًا أو استخدمه لأغراض حزبية، إلا أن الأساس فيه هو تحقيق العدالة المعيشية وضمان الاستقرار الاجتماعي.
وقال أبو نجمة خلال حديثه لـ(صدى الشعب)، إن الأسعار في المملكة ارتفعت بشكل تراكمي خلال السنوات العشر الماضية بنحو 20 بالمئة، في حين لم تشهد رواتب القطاع العام أي زيادة تُذكر، ما أدى إلى تراجع القدرة الشرائية للموظف العام وأسرته بشكل ملحوظ، وأصبح الدخل الشهري غير كافٍ لتغطية الاحتياجات الأساسية من سكن وغذاء ومواصلات وطاقة وغيرها.
وأشار إلى أن مراجعة الأجور أصبحت ضرورة أساسية لضمان الاستقرار الاجتماعي والتحفيز الاقتصادي في آن واحد، مبينًا أن الأجور تلعب دورًا مزدوجًا في تحفيز الاقتصاد ورفع كفاءة الخدمة العامة.
وأضاف أن ثبات الرواتب لأكثر من عشر سنوات انعكس سلبًا على مستوى المعيشة والإنتاجية في القطاع العام، لافتًا إلى أن الأردن مرّ خلال هذه الفترة بأزمات اقتصادية متلاحقة، كان آخرها جائحة كورونا، وما تبعها من تداعيات اقتصادية عالمية، إضافة إلى إغلاق الأسواق المحيطة بالمملكة، وهو ما أدى إلى زيادة تكاليف المعيشة وارتفاع الأعباء الاقتصادية على الأسر الأردنية.
وبيّن، أن مراجعة الرواتب باتت ضرورية لمواكبة هذه المتغيرات، خصوصًا وأن الأرقام الرسمية تشير إلى أن معدلات التضخم السنوية تراوحت بين 2 و4 بالمئة خلال السنوات الماضية، ما يعني أن الأجر الحقيقي للموظف تآكل تدريجيًا، الأمر الذي أثر على قدرة الأسر على تلبية احتياجاتها المعتادة، وأثر كذلك على مستوى الرضا الوظيفي والإنتاج والأداء العام في المؤسسات الحكومية.
وأوضح أن أي زيادة على الرواتب ستحدث فرقًا ملموسًا في مستوى المعيشة، خاصة للفئات ذات الدخل المحدود، مشيرًا إلى أن بيانات دائرة الإحصاءات العامة تظهر أن النسبة الأكبر من دخل الأسر الأردنية تُنفق على السلع والخدمات الأساسية، ما يجعل أي تحسين في الأجور انعكاسًا مباشرًا على القدرة الشرائية والحياة اليومية للمواطنين.
وأكد أهمية أن تكون الزيادة في الرواتب مدروسة ومرتبطة فعليًا بتكاليف المعيشة الحقيقية، مشددًا على ضرورة وجود آلية موحدة لمراجعة كلف المعيشة وتحديد نسب الزيادة المطلوبة بما يحقق التوازن بين الأجور والقدرة على توفير حياة كريمة للعامل وأسرته.
وفيما يتعلق بتمويل الزيادة، أشار إلى أن الأعباء المالية الناجمة عن رفع الرواتب يمكن استيعابها بوسائل متعددة، دون اللجوء إلى التضييق على أصحاب الدخل المتدني، لافتًا إلى أن من بين الإجراءات الممكنة تقليص التعيينات غير الضرورية، خاصة تلك التي تتم بعقود شراء خدمات أو برواتب استثنائية مرتفعة، إذ تشكل هذه العقود عبئًا كبيرًا على الموازنة العامة وتُحدث فوارق غير عادلة بين الموظفين.
وشدّد على أن توجيه الإنفاق العام نحو رفع رواتب العاملين أولى من التوسع في التعيينات برواتب عالية واستثنائية، والتي أثرت سلبًا على الموازنة العامة وأدت إلى تفاوتات في الأجور وأحباط لدى الموظفين.
وأشار إلى أن من أبرز أسباب ضرورة رفع الأجور، هو الحد من هجرة الكفاءات من القطاع العام إلى القطاع الخاص، إذ أن أصحاب الخبرة والمعرفة غالبًا ما يجدون في القطاع الخاص فرصًا مالية أفضل، ما يؤدي إلى فقدان المؤسسات الحكومية لعناصرها المؤهلة.
وأضاف أن من حق الموظف العام أن يتقاضى راتبًا عادلًا يضمن له ولأسرته حياة كريمة، دون أن يُضطر للبحث عن مصادر دخل إضافية، لافتًا إلى أن تحقيق العدالة والاستدامة في نظام الأجور يتطلب اعتماد آلية مراجعة دورية وثابتة للأجور، ترتبط بمعدلات تكاليف المعيشة الفعلية.
ودعا إلى تبني نظام مراجعة سنوي للأجور أسوة بالدول المتقدمة، بحيث تُرفع الأجور تلقائيًا عند ارتفاع كلف المعيشة، لضمان العدالة والمساواة وتحقيق الاستقرار المالي والاجتماعي لجميع العاملين.






