كاهوت

منذ استئناف برنامج التعليم عن بعد الذي تديره منصات التربية والتعليم وبرامج المدارس الخاصة وانا اتابع عن بعد كل العملية التعليمية لابني الذي يطلعني على ملاحظاته اليومية حول اساليب التعليم ونمط الاساتذة وشغب الطلبة والمفاهيم التي وجد فيها صعوبة والاخرى التي لم يتمكن ان يلتقطها.
لا انكر ان اداء عبداللطيف واستيعابه قد تحسن كثيرا منذ ان بدأ التطبيق للنظام التعليمي عن بعد فقد كان يعاني مشكلة الشلل المدرسية التي تتقاسم الهيمنة على قاعة الصف وتتبادل ادوار التنمر والتنكيل ببعض الطلبة الذين لا يعلنون انتماءهم لهذه الشلة او تلك.
لقد ذهبت مرارا الى المدرسة والتقيت كوادرها ونظمت مديرة المرحلة في احدى المرات نشاطا صباحيا عن التنمر وتكتيكات الدفاع عن النفس في وجه المتنمرين بالرغم انهم اطفال لا تزيد اعمارهم على العاشرة في تلك الايام.
في الغرفة المجاورة لمكتبي يضطر عبود الذي يتلقى تعليمه عن بعد للتحديق في شاشة الكمبيوتر من الساعة الثامنة صباحا وحتى الثانية بعد الظهر. حصة بعد حصة ومعلم بعد معلم يعرضون موادهم التعليمية التي يرسلون تمارينها عبر البريد الالكتروني ويتعاطى الطلبة مع كل ذلك بمسؤولية عالية محاولين التدقيق والاستفسار والاستعانة بمخزون المواد التعليمية المنتجة والمعروضة على قنوات ووسائل التواصل الاجتماعي.
من وقت لاخر يعبر عبود عن الملل والضجر ويشكو في بعض الاحيان من صداع وفي مرات اخرى يعبر عن احساسه بالوحدة واشتياقه للمدرسة واللعب وبعض النشاطات التي كان يمارسها ابان كانت البيئة اكثر امنا وقبل ان يغزو الهلع والخوف نفوسنا وتصبح الكمامة حرزنا الوحيد .
بعض المعلمين والمعلمات يصرون على استخدام الاساليب التقليدية في التعليم بما فيها من مقدمات وتمارين مفترضين انصات الطلبة الموجودين على امتداد جغرافيا المدينة في بيوت تتباين فيها مستويات الهدوء والتشتيت في حين يحرص البعض الاخر على تقديم دروسهم على هيئة العاب تعليمية ممتعة تجلب الاهتمام وتحقق للطلبة مستويات عالية من الفائدة والمتعة.
دون ان اسأل وبمجرد الانصات قليلا لنمط ومستوى التفاعل الذي يبديه الطالب استطيع التعرف الى نوعية الاساليب التي يستخدمها المعلم. اليوم وبعد مرور الاسبوع الثالث على التعليم نحتاج الى مراجعة دقيقة ومعمقة للاساليب وتطوير موسع لمهارات المعلمين والتفكير جيدا في كيفية جذب واشراك الطلبة الاقل دافعية والاكثر تململا.
في البرامج والمواقف التعليمية يستخدم بعضهم لعبة «كاهوت» كاساس للحوار والتفاعل والمسابقات المعرفية. الاثارة والتنافس والحماس الذي تحدثه اللعبة يبعث على الفرح ويبدد الملل ويجذب انتباه الصغار وهو اكثر ما يحتاج له الطلبة للابقاء على الدافعية والتعويض عن فقدانهم للعب وبعدهم عن البيئة المدرسية التقليدية. المزج بين اللعب والتعليم مهارة ينبغي تاكيد امتلاك الجميع لها لكي يصبح التفاعل الصفي الافتراضي نشاطا مرتبطا بالمحتوى وقادرا على تحويل مفرداته لاجزاء قابلة للاستيعاب والتداول.
التحول الذي جرى نحو التعليم عن بعد قدم لنا فرصا جديدة لاعادة التفكير في استخدام التكنولوجيا ووسائل التواصل الالكتروني في التعليم ولكسر الحاجز النفسي الذي كان لدى بعضهم ممن يعملون في حقل التعليم. بقي ان يعمل الجميع على تحسين صور واشكال استخدام التكنولوجيا وتطوير الادوات والاساليب التي تجعل من استخدامها ميزة نسبية حقيقية تدرب الطلبة على كيفية التعلم وتحقق لهم المزيد من الاستقلالية وتبرهن على اننا نعد الابناء لحياة غير تلك التي عشناها.

أخبار أخرى