يوم الأربعاء المقبل (14 الجاري) ستبدأ في مقر قوات اليونيفيل في الناقورة، أول جولة مفاوضات لبنانية – إسرائيلية، لترسيم الحدود البحرية والبرية، المفاوضات وفقاً للجانب اللبناني، لن تكون مباشرة، لكن المتفاوضين سيجلسون في الغرفة ذاتها، وسيشيحون بأنظارهم عن بعضهم البعض، ويوجهون أحاديثهم للوسيط الأمريكي، السفير الأمريكي السابق في الجزائر جون ديروشر، وبوجود الراعي الأممي.
وبعدها بيوم واحد فقط، (15 الجاري)، سيبدأ الرئيس ميشيل عون، الاستشارات النيابية الملزمة، لاختيار رئيس جديد للحكومة، بعد أسبوعين من اعتذار مصطفى أديب عن تشكيل الحكومة، وفي ظل استمرار حكومة حسان دياب في «تصريف الأعمال»، ما عدّه مراقبون، «صفعة» للمبادرة الفرنسية، التي بقي من «مهلتها الثانية والأخيرة» قرابة الأربعة أسابيع، قبل أن تُقدم باريس على مراجعة الموقف، وفتح الباب أمام عقوبات دولية، قد تفرض على بعض «فرسان» السياسة اللبنانية.
متسلحاً بهذه التطورات الضاغطة والمتسارعة، ألقى الرئيس سعد الحريري قنبلته في حديث على شاشة محلية لبنانية، عندما قال: إنه مرشح «طبيعي» لرئاسة الحكومة، «بلا منّة من أحد»، كونه يتمتع بأكبر كتلة نيابية «سنيّة» في البرلمان، وممثلاً للتيار الأعرض في طائفته… لكن الحريري لم يفته، أن يقرن ترشحه لرئاسة الحكومة، بجملة من الشروط، القديمة-الجديدة، أهمها: أن تكون حكومة اختصاصين، بمهمة انتقالية تتمركز حول «وقف الانهيار»، الشروع دون إبطاء أو «تعجيز» بمفاوضات مع صندوق النقد الدولي للوصول إلى خطة للإنقاذ، الالتزام بمضامين المبادرة الفرنسية كما جرى الاتفاق عليها في «قصر الصنوبر»، مقر السفارة الفرنسية، بين الرئيس إيمانويل ماكرون وممثلي مختلف الكتل السياسية اللبنانية.
في مرات سابقة، لم يبدِ الحريري حماسة لتشكيل الحكومة، وطالما أكد أنه «ليس مرشحاً»، و»أنه يسمي أحداً»، سيما وأنه كان يعرف بتعذر قبول الكتل الأخرى بـ»شروطه المسبقة»…اليوم، تبدو الصورة مختلفة تماماً، والحريري سبق الجميع في تقديم نفسه للموقع، لكأنه على يقين تام، بأن ما تعذر الحصول عليه بالأمس، بات ممكناً اليوم.
لا شك أن الحريري، قرأ مغزى ودلالة «المرونة» التي أبداها حزب الله وحركة أمل حيال الإفراج عن «اتفاق الإطار» المنجز سابقاً، لترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، امتداداً لـ»مرونة» في ملف المبادرة الفرنسية التي لم يتحفظ حزب الله سوى على بند واحد منها: الانتخابات المبكرة، و»مرونة» أخرى سابقة، في ملف التفاوض مع صندوق النقد الدولي، وإن كان الحزب قد أرفقها بجملة مطالب وشروط…وهو – الحريري – قرأ في «فائض المرونة» هذا، إحساساً من الحزب بعمق المأزق الذي يعتصر لبنان، ويعتصره وحلفائه وبيئته الحاضنة، قد يدفعه للقبول اليوم بما كان يرفضه أو يتحفظ عليه بالأمس، فهل تبلغ «المرونة» بالحزب وحلفائها، حد القبول بشروط الحريري في التشكيل والتأليف والبرنامج الوزاري؟…تلكم مسألة يصعب التكهن بها الآن.
ثم، أن الحريري لاحظ كما لاحظ مراقبون، أن العقوبات الأمريكية التي طالت اثنين من قادة ورموز حلفائه: الوزير علي حسن خليل، الذراع الأيمن لنبيه بري، والوزير يوسف فينيانوس، المحسوب على «مردة» سليمان فرنجية، إنما هي رسائل «صلبة» تستطبن احتمال فرض عقوبات على «الأصيل» بدل «الوكيل»، وربما التوسع بها لتشمل قادة التيار الوطني الحر، ممثلاً بشخص رئيسه، صهر الرئيس، جبران باسيل وغيره.
لقد قالها الحريري في معرض تفسيره لتعاظم فرص ظَفَرِه بالتكليف، إنها العقوبات التي أملت تغييراً في المواقف، وربما تملي قبولاً بشروط سبق رفضها من قبل خصوم الحريري ومنافسيه، اليوم يبدو أن المشهد اللبناني قد تغير، فهل تغير إلى هذا الحد؟!