الإداري أساس الإصلاح

يأتي التوجيه الملكي، في مناسبات عديدة، بضرورة شمولية الإصلاح لمساراته المختلفة، ليؤكد حقيقة أن الإصلاح عملية متكاملة، لا تتناغم وتتفاعل حلقاتها بشكل عملي ملموس إلا بالعمل على مختلف الجبهات، وصولا إلى النتائج التي تتوافق عليها غالبية شرائح المجتمع، لما فيه صلاح حاضر الوطن ومستقبله، على أساس سيادة القانون ناظما للعلاقة بين الأفراد والدولة من جهة، وبين الأفراد أنفسهم من جهة أخرى.
وفي حين أن الغايات النهائية للإصلاح هي سياسية واقتصادية واجتماعية، تنعكس نتائجها إيجابا على واقع الشعب ومستقبله، يعد الإصلاح والتطوير الإداري الأداة الحقيقية في كل ما تقدم. والأمثلة عديدة.
ومنها سياسيا أن النجاح في إرساء قوانين انتخاب وأحزاب تلبي تطلعات الناس يتطلب، عند التطبيق والممارسة، إصلاحا وتطويرا إداريا، ووجود قيادات إدارية ذات كفاءة قادرة على ترجمة هذه القوانين إلى واقع يعيشه المجتمع ويجني ثماره من تعددية سياسية وبرامج حزبية وغير ذلك.
ومنها اقتصاديا أن انطلاق عجلة النمو الحقيقي، الذي يلمس نتائجه المواطن، لن يتحقق دون النجاح في جذب الاستثمارات، ودورها في توليد فرص العمل، وبالتالي محاربة البطالة والفقر، ما يقودنا إلى ضرورة وجود كوادر إدارية قادرة على تهيئة البيئة الجاذبة فعلا للاستثمار، ولنأخذ هنا مثالا واحدا يكمن في شكاوى العديد من رجال الأعمال، وعبر السنين، من البيروقراطية الإدارية التي تواجههم وتعدد المرجعيات، والتي كان من نتائجها، للأسف، هجرة العديد من الاستثمارات إلى أماكن أخرى في العالم، ومنها دول قريبة. كما علينا استثماريا الإيمان، عقيدة وممارسة، بأن مكافحة الفساد بفاعلية يتطلب أجهزة دولة رقابية تنفيذية حصيفة وقادرة إداريا على ردع الفساد ومحاسبة من يرتكبه. وهذا يقودنا إلى ما نحتاجه من تطوير إداري لأنظمة وطواقم النظام العدلي والقضائي لضمان الدقة والسرعة والشفافية والنزاهة والخبرة في التعامل مع قضايا الفساد من البداية وحتى النهاية، وهو الأمر الذي سيعزز من ثقة رجال الأعمال، عربيا وعالميا، لقناعتهم وقتها بوجود قانون قادر على حماية حقوقهم ومشاريعهم.
ومنها اجتماعيا أن خدمة المواطن، في معاملاته اليومية لدى مؤسسات الدولة، يتطلب وجود موظف قادر على سرعة تقديم الخدمات وفق أفضل الممارسات مع ضمان نجاعتها وتلبيتها لاحتياجات وتطلعات الناس بعيدا عن آفتي الواسطة والمحسوبية، ما يعزز من مستويات الثقة بين المواطن وهذه المؤسسات. ولعل النجاح في أتمتة الخدمات الحكومية، سبيل للوصول إلى مرحلة يشعر بها المواطن بالقناعة والرضا، يسرع في الوصول إلى مؤسسات خدمة عامة متميزة في أدائها.
لكن هذه الأمثلة جميعا وغيرها بحاجة للإجابة على سؤال محدد: من أين نبدأ في الإصلاح والتطوير الإداري؟ لعل البداية تكمن في الخروج بخطة زمنية واضحة، ذات إجراءات محددة، لمراجعة وإصلاح وتطوير الأنظمة الإدارية لمختلف مؤسسات الدولة، بحيث تكون كل وزارة مسؤولة عن المؤسسات التابعة لها، لنصل في النهاية إلى دليل عمل إداري شامل ملزم لكل مؤسسة، على ألا يتعارض مع القوانين والأنظمة النافذة، خصوصا قانون العمل ونظام الخدمة المدنية إلا إذا كانت هناك حاجة لتعديلها، وبحيث يتعرض من لا يلتزم بذلك، بغض النظر عن رتبته الوظيفية، إلى المحاسبة والمساءلة القانونية الجادة.
الهدف من الإصلاح والتطوير الإداري في النهاية هو اقتلاع جذور الفساد الإداري، ووضع آليات رادعة له، ومحاسبة من يمارسه، وتطوير الواقع الإداري للمؤسسات، وبذلك نضمن نجاحنا المستمر في الإصلاح الشامل على مختلف المسارات.
عبورنا للمئوية الثانية للدولة يتطلب منا أن نبني على قصة نجاح عمرها مائة عام تخللتها تضحيات جليلة من الآباء والأجداد، وليتحقق ذلك، ليكن مدخلنا الإصلاح الكلي الذي يكمن ممر العبور إليه في الإصلاح والنهضة الإدارية، ولنأخذ العبرة في كل ما تقدم من قول جلالة الملك عبدالله الثاني، في ورقته النقاشية السادسة، والتي جاءت بعنوان (سيادة القانون أساس الدولة المدنية)، “لا يمكننا تحقيق التنمية المستدامة، وتمكين شبابنا المبدع، وتحقيق خططنا التنموية إن لم نضمن تطوير إدارة الدولة وتعزيز مبدأ سيادة القانون”. وفي هذا خلاصة القول والغاية.

Related Posts

Next Post

Welcome Back!

Login to your account below

Retrieve your password

Please enter your username or email address to reset your password.

x  Powerful Protection for WordPress, from Shield Security
This Site Is Protected By
Shield Security