كتبت : اماني فايز البطاينة
تمر منطقتنا منذ عقود باضطرابات على عدة مستويات، سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو ديموغرافية أو حتى تغيرات في المرجعيات الدينية. هذه الاضطرابات كانت إما على شكل حروب، أو ثورات، أو نزوح وهجرة، أو تطرّف. هذا كله قد زرع في أغلب القلوب خوف دائم واضطراب مستقر، حتى غدى ذلك الاضطراب القلبي هي الحالة العادية لقلب فرد عادي من أفراد شعوبنا العربية. تكاد لا تجلس مع أحدهم، مهما كان لديه من خفة الدم، أو النضج أو الاتزان أو الاستقرار المادي والاجتماعي أو حتى اللامبالاة، إلا وتلمح في كلامه غضب وانزعاج نتيجة ذلك الاضطراب والخوف الذي يجتاح بلادنا على أرض الواقع.
لطالما سألت نفسي، ما سبب كل ذلك؟
الانسان كائن متأثر ببيئته وذلك لا جدال فيه، ولكن كم الاضطراب الذي يجتاح منطقتنا قد جعل البيئة لا مؤثرا فقط، بل سارقا ولصا لئيم، يسرقنا من مباهجنا الحياتية اليومية الاعتيادية، من أحلامنا، من أحبابنا، ومن رؤانا، حتى نغدو مستلبين تمام الاستلاب من مركزية وجودنا ومن غايته.
أصبح الاضطراب المتسارع في محيطنا العربي، هو همنا الشاغل وحديثنا المستعر مهما تشعبت اهتماماتنا وحاولنا الهروب.
والأدهى من كل ذلك، هو حالة قلوبنا التي ذكرت ومدى استواء أنفسنا وحتى نمائنا الفكري.
قد لا نستطيع لوم أنفسنا على ذلك، فالخوف متى ما حضر سيطر إن لم تدركه، والاضطراب متى ما استعر تفاقم إن لم تضبطه. لكن السؤال الذي يطرح نفسه، ماذا بعد؟ إلى أين؟
هل من المعقول أن نستمر في تمضية باقي الحياة مشغولون أما بالحرب الداخلية والخارجية أو محاولة إيجاد سبل المقاومة أو حتى إبداء أضعف الايمان بالتعبير عن الغضب كلاما ونقاشا أو منشورات هنا وهناك؟
هل هذا هو الشكل الأوحد للحياة؟
للمعماري بكمنسترفولرمقولة شهيرة نصها:
“أنت لن تغير الأشياء من خلال محاربة الواقع القائم.
لتغيير شيء ما، قم ببناء نموذج جديد يجعل النموذج الحالي قديماً بائدا وغير صالح للاستخدام”
أظن أنه قد حان وقت زيادة تكريس هذا المنهج، فباعتقادي أن جلَّ ما نفعله منذ عقود هو التشتت بين خلق واقع جديد ومحاربة الواقع الحالي والماضي الذي انبثق منه. أحيانا في حالة غناء على الأطلال وأحيانا في حالة من الثورة وتفنيد المفنَّد من الظروف التي مرت وتمر في منطقتنا.
العجيب أن الدماغ يقوم بتغيير تجربته الحسية والمادية بنفس الطريقة التي وصفها فولر. فلاستحداث اعتقاد جديد وعادة جديدك لا يتم هدم السيالات العصبية المتعلقة بالعادة والاعتقاد القديم فما تم بناؤه لا يهدم، ولكن باستخدام آلية المرونة العصبية في الدماغ يقوم الدماغ ببناء سيالات عصبية جديدة تضم معلومات الاعتقاد والعادة الجديد. مع التكرار وزيادة استخدام السيَّال العصبي الجديد، يتم ضمور السيال العصبي الجديد وتبدأ التجارب المعرفية والحسية والمادية بالتشكّل نتيجة بناء السيال العصبي الجديد وتكرار استخدامه، وهذا قد ينطبق على واقع الحال في الحياة، فالخليقة قد صممت من خالقها بآلية متشابهة، من بناء الجسم إلى بناء الحياة برمتها.
أعتقد أنه قد حان الوقت لنسأل أنفسنا:
بعد عقود من ردات فعل متشابهة للمتغيرات البيئية المحيطة بنا لعقود متكررة، هل تغيَّر شيء؟
هل المقاومة والحرب والخوف والقلق هو أجوَد طريقة للعيش؟
هل من الممكن إحلال نموذج جديد سواء في دواخلنا أو حتى كواقع معاش في محيطنا؟
كيف لنا أن نتغيَّر ونغير جودة الحياة التي نعيشها؟
هل نستحق في الأصل حياة أفضل؟
هل لنا قول في ذلك، أم نحن حقا مغلوب على أمرنا مقهورون مغصوبون في ما نحن فيه؟
هل حقا البيئة هي الخلّاقة لواقعنا وسلوكنا ومشاعرنا، أم نحن الأقدر والأقوى على إدارة دواخلنا أولا ثم خلق بيئة جديدة؟
أزاح الله الخوف والاضطراب والقلق عن قلوبنا قبل أن يتجسد واقعا على الأرض.
دمتم بسلام من الله.