كتب د. أشرف الراعي
يعيش الإعلام – بشكل عام – اليوم مرحلة تطور لافتة انتقلت فيها وسائل الإعلام من شكلها التقليدي إلى شكلها الحديث من خلال المنصات الرقمية، ومواقع التواصل الاجتماعي، وأنظمة الذكاء الاصطناعي، والحوسبة السحابية وغيرها من الأنظمة التقنية التي باتت تسيطر على مختلف وسائل الإعلام، وفي غمرة هذا كله، كان الدستور الأردني والعهود والمواثيق الدولية التي صادق عليها الأردن قد أكدت جميعها على الحرية الإعلامية ونظمتها وكرستها واقعاً، لكن التشريعات القانونية الوطنية جاءت بحاجة إلى إعادة تعديل في بعض المواضع ليكون الإعلام على قدر المسؤولية.
فمثلاً جاء قانون الجرائم الإلكترونية لينص على جرائم الكلمة (الذم والقدح والتحقير) في المادة 11 منه، ولا أدري ما الغاية من هذه المادة علماً أنه يمكن اللجوء إلى قانون العقوبات وبدلالة المادة 15 من قانون الجرائم الإلكترونية، فضلاً عن ركاكة بعض نصوص قانون الجرائم الإلكترونية ما يستدعي تعديله في الكثير من المواضع لغايات تحسين جودة الصياغة القانونية وإعادة ضبط المصطلحات والمفاهيم العامة في القانون وبما يسهم في تكريس إعلام أقوى.
وليس هذا فحسب، بل من الضروري اليوم في ظل هذا التقدم والتطور التقني إعادة مراجعة مفهوم العمل الصحافي برمته، وإعادة تعريف الصحافيين في قانوني نقابة الصحفيين الأردنيين والمطبوعات والنشر، وبيان الدور المنوط بالنقابة، وتعزيز دورها في تطوير المهارات الصحافية والإعلامية لمنتسبيها إلى جانب المؤسسات الصحافية والإعلامية من جهة، وإعادة صياغة التعريفات بما يتواءم مع فكرة “المواطن الصحافي” التي أصبحت تسيطر على مواقع التواصل الاجتماعي، والمنصات الرقمية، وانتشار المواقع الإلكترونية التي يتجاوز عددها الـ 1000 موقع إلكتروني في الأردن، وفقاً لآخر الإحصائيات.
ولأن “المملكة” ليست معزولة على العالم العربي الذي يشهد ثورة تقنية دفعت بنحو 175 مليون شخص نحو مواقع التواصل الاجتماعي، فلا بد هنا من الاستفادة من النماذج المشرقة في الإعلام العربي والتركيز على آليات تطوير الإعلام حتى يستقي المواطن المعلومات من مصادر إعلامية موثوقة مستندة إلى أسس من المهنية وبعيدة عن تداول الشائعات والأكاذيب والشتائم التي لا تستند إلى أصل أو فكرة أو معلومة حقيقية مما يسيء إلى الإعلام من جهة، ويقوض أركان وقواعد البنيان المجتمعي السليم.
نعيش في عصر تقني متقدم، يستدعي منا إعادة تعريف الإعلام بشكله الحالي وتطوير إمكانياته وخبراته وقدراته من أجل مستقبل أفضل، يكون فيه للإعلام دور أساسي ومهم في التوعية بالقضايا التي تهم المجتمع وليطرحها بأساليب مهنية وفكرية قائمة على المصداقية وليس على تناقل الشائعات والأكاذيب والترويج لها؛ وهو ما يعزز من مفاهيم الحرية الصحافية وينشر الأخلاق المهنية بين منتسبي هذه المهنة التي تضعها بعض دول العالم في مرتبة السلطة الرابعة كونها تلقي الضوء على الخلل في الأداء الحكومي، والبرلماني، وتقيمه وتحدد مواطن الضعف بما يليق بالدور الذي يفترض بالإعلام.
لذا فإن الإعلام القوي يفترض توعية القائمين عليه بأهميته وضرورة الالتزام بالقوانين والأخلاقيات مع تجويد النصوص القانونية وتطويرها نحو الأفضل الأمر الذي يعزز الحرية، ومن أجل إعلام أقوى.