الأقصى لا يقبل القسمة على اثنين

 

في بحر أيام قليلة، يتم اعتقال الشيخ عكرمة صبري، إمام وخطيب المسجد الأقصى، وقبله تهديد فادي عليان أحد حراس المسجد الأقصى، ثم هدم بيته، بشكل مؤلم جدا.
القصة هنا، ليست قصة أسماء معروفة، أو تحدث عنها الإعلام، فقط، هي قصة السوار الشعبي الذي يحمي المسجد الأقصى، بطرق مختلفة، عبر تحشيد الناس، وتنظيمهم، والاحتلال هنا يدرك أن تحطيم السوار الشعبي، يبدأ بطرق مختلفة، من بينها تحطيم الأشخاص المعروفين، أو التنكيل بهم، أو اعتقالهم، أو ملاحقتهم، من أجل اخراجهم من ساحة المسجد الأقصى، وتفريغ الحرم القدسي، من كل اسم لديه القدرة على الوقوف في وجه الاحتلال.
المسجد الأقصى، من دون الناس، يتحول إلى موقع أثري، ولولا الناس، لما كانت الحياة في المسجد الأقصى، الذين يذهبون يوميا إلى صلاة الفجر، ويحتشدون في صلاة الجمعة، وهذه الكتلة الاجتماعية هي سوار المسجد وحمايته أمام المشروع الإسرائيلي، الذي لا يتوقف.
الاحتلال يريد محو هوية المكان الدينية، والاجتماعية، وطمس أي ملامح إسلامية، وتغيير هوية المكان، الى مجرد مصلى، هذا ان بقي أيضا مجرد مصلى، في سياقات المشروع الإسرائيلي، لإنتاج قدس جديدة، وفقا لهذا المشروع المستمر منذ عشرات السنين، دون توقف.
الشيخ عكرمة صبري، تم اعتقاله مرارا، ومثله حراس من المسجد الأقصى، وهذه المواجهات، لم تتوقف يوما ما، لكن الخطورة تنبع هنا، من كون الاحتلال يريد تحويل الموقع إلى مجرد موقع للصلاة دون قيادات دينية واجتماعية، تمهيدا لإجراءات أسوأ، قد تصل الى تنفيذ السيناريوهات الإسرائيلية المتعلقة بالتقاسم الجغرافي والزمني، وربما السيطرة على كل الحرم القدسي، تحت مسمى السيادة الإسرائيلية، التي قد تصل حد الغاء أي وجود آخر في الحرم.
أهمية هذه الرموز في القدس، وحتى في كل فلسطين، تنبع من كونها تدرك مخاطر المشروع الإسرائيلي، وهي بالتأكيد تحت المراقبة والمتابعة، وتحاول إسرائيل دوما كسر إرادة هؤلاء، لكن للمفارقة، كانت القدس ولادة دوما، فكلما اغتيل أو اعتقل رمز أو شخص حيوي، كان يبرز شخص آخر، وكلما ذهب جيل جاء جيل آخر، لان القضية في أساسها ترتبط بالقدس، والحرم القدسي، والمسجد الأقصى، وليس مجرد شخص حيوي يقف في وجه الاحتلال.
هذا الأمر لا تفهمه إسرائيل، وتحاول دائما، تحطيم الرموز والقيادات التي تحرك الناس، ظنا منها، انها بهذا تستفرد بالحرم القدسي، وتنفذ مشروعها، حتى لو كان بشكل بطيء ومتدرج.
برغم الملاحقات، والتضييق الأمني والاقتصادي، ومحاولة السيطرة على الكتلة الاجتماعية في القدس، حتى تحت وطأة شطب ما يسمى بهوية الإقامة المؤقتة في القدس، التي يمنحها الاحتلال لأهل القدس، إلا أن إسرائيل ذاتها تعرف ان سوار الحماية الشعبية، ما يزال قائما، ويتجاوز حتى الرموز والشخصيات القيادية، والتي تحرك الجمهور، لحماية المسجد، وهناك ادلة على ان أهل القدس، لديهم القدرة على الوقوف في وجه إسرائيل، بشكل فطري وطبيعي وجماعي، والتحشيد ضدها، حتى دون قيادات محركة، أو مؤثرة، لان الأقصى قضية الكل.
لن تفهم إسرائيل ابدا، ان ملف المسجد الأقصى، ليس مجرد ملف عادي، وهي برغم كل الذي تراه تحاول تطويع أهل القدس، والفلسطينيين والعرب، على فكرة ان الشراكة في الحرم القدسي، هي الحل الوحيد، وهي فكرة مرفوضة وغير قابلة للتطبيق، حتى لو طبق الاحتلال سابقا، سيناريو التقاسم على الحرم الابراهيمي، في الخليل، خصوصا، ان سياقات هذه الأيام مختلفة، لاعتبارات كثيرة، والكلف كبيرة، على الاحتلال ذاته، قبل أي طرف آخر.
ملف الأقصى، يحتاج الى رموز وقياديين وشخصيات وأسماء مؤثرة، ونافذة، ومسموعة لدى أهل القدس، والجمهور، لكن اعتقال هؤلاء، أو هدم بيوتهم، أو التحقيق معهم، لن يخفض من حدة الروح المعنوية، فالكل يدرك أن الأقصى قضيته، والكل يدرك ان واجبه يجب ان يؤديه، ولا ينتظر دعوة أو تحريكا من أحد، وهكذا تصير الإجراءات الإسرائيلية ضد هذه الأسماء، مجرد عبث، يعبر عن الفشل الإسرائيلي، في الاستفراد بالحرم القدسي، بكل ما يعنيه.
المسجد الأقصى، يعبر عن معركة دينية وهو، أيضا، في عمق المعركة السياسية مع الاحتلال، معركة القدس، ومكانتها، وهويتها، بكل ما يعنيه هذا الأمر، فهذه هي فلسطين، لنا وليست لكم.
المسجد الأقصى، رقم صعب، لا يقبل القسمة على اثنين.

أخبار أخرى