يواصل النواب لليوم الخامس مداخلاتهم وكلماتهم حول البيان الوزاري الذي طلبت حكومة الدكتور بشر الخصاونة ثقة أعضاء مجلس النواب التاسع عشر على اساسه، وهي المناسبة الاولى للنواب للتواصل مع قواعدهم الانتخابية، وهي ايضا لـ98 نائبا جديدا للحديث من على منبر قبة الشعب في العبدلي، وتقديم أنفسهم للرأي العام والمراقبين والمتابعين .
الامر الاكيد ان الوقوف على منبر القبة ومواجهة عدسات المصورين وكاميرات التلفزيونات المحلية والعربية والكلام امام حكومة ونواب وأعيان وجمهور متابعين ومراقبين امر مختلف، فكل كلمة تقال محسوبة بميزان الذهب، فمنبر القبة لا يحتمل التأويل، والمواقف التي يطلقها بعض النواب من منصة الخطابة هناك ليست كأي كلام ، فما يقال على منبر العبدلي هي مواقف ورؤى ومحددات مستقبلية، ومواقف سياسية وتحليلات اقتصادية يتحملها النائب ونبني رؤيتنا كمراقبين لمعرفة النائب والحكم عليه على اساسه.
لهذا كله، فإن النواب عليهم معرفة ان اعتلاء منبر القبة لا يعادله اي منبر، وان التصعيد الكلامي او لي عنق الكلام له تبعات مستقبلية سيطول النائب ومجلسه، وسيجد النواب من يلاحقهم ويذكرهم بمواقفهم وما قالوه تحت القبة، فأي كلمة يقال ورؤى تصاغ، هناك من يرصدها، ويتابعها، وهي مناسبة لقياس انسجام النائب مع مطالب ناخبيه ومدى قدرته على التعبير عن تلك المطالب وتفعيل دوره الرقابي والتشريعي الذي منحه اياه الدستور، ومنحه قوة الرقابة والمتابعة واعطاه الحق في منح الحكومة الثقة وحجبها، وهي قوة دستورية لا يستهان بها، والمفترض التعامل معها بأقصى درجات المسؤولية.
لهذا كله فانه من الخطورة بمكان رفع وتيرة الكلام والنقد من منبر القبة في المجلس، ومن ثم يأتي التصويت مختلفا عما يقال من منبر الكلام، فهذا سيؤثر وبقوة على مجلس النواب وحضوره امام القواعد الشعبية، وسيضعه المجلس لاحقا امام نقد شعبي متواصل يتوجب الابتعاد عنه حاضرا حتى يستطيع المجلس تغيير الصورة النمطية التي انطبعت في اذهان الناس.
تابعنا خلال أيام ماضية كلمات نواب في الثقة بالحكومة والتي بدت في سوادها هادئة تشخيصية، أشرت للواقع الحالي دون تقديم حلول واقعية، كما ان اغلبها حمل مطالب خدمية مناطقية كان يمكن تأجيلها لمناقشات الموازنة العامة للدولة.
اذ كان يتعين على المجلس الجديد وهو يخط خيوط بداياته الاولى استثمار مناقشات الثقة في التأسيس لرؤية سياسية اصلاحية لمجلس النواب التاسع عشر، رؤية سياسية تؤسس لدولة المؤسسات والقانون واحترام حرية الرأي والتفكير وإطلاق الحريات العامة، رؤية تضعنا جميعا امام مسؤولية التغيير المنشود، رؤية تحاكم واقعنا الصحي دون عواطف وواقعنا التعليمي دون حسابات ضيقة، رؤية تُشعرنا اننا امام مجلس نيابي مختلف، مجلس يعرف طريق الاصلاح ويريده ويعمل بجدية للوصول اليه، نعم نريد ان تشعر اننا نسير في الطريق الصحيح ، طريق يجعلنا نؤمن ان التغيير الكبير الذي طرأ على تشكيلة المجلس الحالي لم تكن عبثية او تجديدية وكفى، وانما سيتبعها اصلاح حقيقي.
وحتى لا نكون سوداويين فإننا بالمقابل استمعنا من قبل نواب لإشارات مشجعة يمكن البناء عليها لاحقا، وحديث في العمق حول قضايا داخلية مؤرقة للناس والنواب والحكومة، وتلك الكلمات رغم قلتها يمكن البناء عليها لاحقا بأمل ان تؤسس لمرحلة مختلفة وواعدة، واصلاح سياسي حقيقي.
رغم ذاك فان الطريق امام المجلس الحالي طويل، ومن المبكر الحكم على رؤية أعضائه الإصلاحية والتجديدية، ولهذا قد تكون مناقشات الثقة بمثابة تدريب أولي للنواب الجدد وبداية طريق لتناول القضايا الملحة، وعلينا ان ننتظر قليلا حتى نتمكن من قياس قدرة النواب على التعامل مع مرحلتنا المقبلة.