ليتك لا تستعجل أيها الوزير

 

جاءت الحكومة الجديدة، في اصعب ظرف، وأسوأ إرث، ورثته من كل الحكومات السابقة، وهذا يعني ان مهمتها ليست سهلة، حتى لا نقول مستحيلة، امام هذه الأعباء.
لكن احد وزراء الحكومة المتحمسين والنشيطين يخرج ويصرح ويقول إن بعض الحكومات السابقة، لم تكن موفقه في التعامل مع كثير من الملفات، منها على وجه الخصوص ملف البطالة، مع وجود نحو 400 ألف مواطن أردني يبحثون عن عمل، وارتفاع معدلات البطالة لنحو 23.9 %، فضلًا عن قضايا أخرى لا بد من العمل عليها بجدية.
وكلام الوزير صحيح، لكنه كلام سهل، فقد باتت مهمة تشخيص الازمات، مهمة المحترفين والعابرين في سماء عمان السياسية، والنقد بأثر رجعي سهل، وقد يأتي يوم يحل فيه وزير جديد مكان الوزير الحالي، فيوجه سهام النقد اليه، عما فعله خلال وجوده أيضا، فهذا كأس مر يدور بدورته على الكل، فهم السابقون، وانتم اللاحقون.
مهمة تشخيص أزمات الأردن الداخلية، مهمة مارسها الآلاف من المسؤولين السياسيين والاقتصاديين والخبراء والاكاديميين والمحللين، فالتشخيص سهل، لأن الازمات واضحة، وحلولها المقترحة متوفرة لكن بشكل نادر، وصعب التطبيق أحيانا، او بطيء في حالات ثانية، او يتعرض الى عرقلة بسبب الظروف او كثرة التغيرات والتقلبات هنا.
لعنة الأرشيف الالكتروني لعنة حاضرة، فكل كلمة تقال او تسجل في لقاء خاص او مفتوح، تبقى محفوظة، ويمكن العودة الى أرشيف كل شخص، بالذات اذا كان نشطا عبر أي منصة رسمية او غير رسمية، وهذا يعني ان كلام الوزير السابق، على صحته، سيكون حاضرا من جديد بعد انتهاء مهمته لنسأله ونسأل غيره عما فعلوه، خلال وجودهم، أيضا، حتى لا ينضموا الى قافلة الحكومات السابقة، التي تم اتهامها بالتقصير، والعجز، وقلة الحيلة.
نحن اليوم، تعبنا من تشخيص الازمات، ومن تحميل المسؤوليات بأثر رجعي، ونريد حلولا لكل هذه الازمات، حتى لا يتورط الرسميون في ذات ثوب المعارضة، الذي يشخص بعض ألوانه الأزمة بشكل دقيق، لكن عند الحلول يفرون من ارض المعركة، فلا حلول، ولا اقتراحات، ولا خطط عمل، لأن النقد اقل كلفة، واسهل، واكثر شهرة، ولمعة أيضا.
لا توجد حكومة واحدة في الأردن، تستحق البراءة كاملة من المسؤولية، فكل حكومة عليها أخطاء، تبرر لك هذه الأخطاء بحدوث أزمات، وانها ورثت من سابقتها ما هو اصعب، وان الازمات تتعمق يوما بعد يوم، ومن السهل هنا محاكمة السابقين بالكلام، لكن هذه المحاكمة حين تأتي من مسؤول في موقعه، ترتد بشكل مضاعف عليه وعلى حكومته، ومن حقنا هنا ان نسألهم عن الفروقات بين مرحلتين، وليس من اجل صيدهم، وتسجيل المواقف ضدهم.
عدد العاطلين عن العمل يصل الى 400 الف وفقا لمنطوق الوزير، لكن هذا هو الرقم الرسمي، والمؤكد ان ارقام العاطلين عن العمل، اكبر بكثير، وهي ليست كلها تحت الرصد، فوق ازمة اقتطاع الأجور التي نالت من الكل بسبب وباء كورونا، في الأردن والعالم، وهذا يعني اننا امام ازمة كبرى يستعصي حلها، بل تزداد حدتها مع كل نهاية فصل جامعي، حيث مزيد من الخريجين، وتشتد قسوتها مع كل مشروع يغلق ابوابه، او يخفف عمالته.
هذه فرصة كبيرة للوزير لأن يقول لنا، كيف سيحل مشكلة البطالة، او يخفف منها، اذا كانت هذه المهمة أساسا، مهمة معقدة، وتشاركية ايضا، فهي ليست مهمته وحيدا، والقطاع الخاص المؤهل للتشغيل، لا يتم تركه في حاله، بل يعاني من ازمة كلف الإنتاج والإدارة ومشاكل العمل والتسويق، وانخفاض القدرة الشرائية، والضرائب، واغلاقات التصدير، ومطالب الأجور، والاغلاقات، وغير ذلك، وهذا القطاع دخل الرمال المتحركة، وبات في وضع صعب جدا، وهذا يعني اننا خسرنا اللاعب الوحيد المؤهل للفوز، امام وضع القطاع العام الذي يفيض بمن فيه أساسا، ولا قدرة لديه على استيعاب المزيد.
ليت الوزير لا يستعجل، ويتوقف عن مهمة تشخيص الازمات، واذا كان هناك من علة في هذه الحكومة فهي علة كثرة الكلام، التي توجب على الرئيس معالجتها، فالظرف حساس، ولا يحتاج الأردنيون، المزيد من صور الاشعة لهذه الازمات، بل نريد الأدوية فقط.
نريد الحلول أيها السادة المحترمون، اذا كانت لديكم حلول أصلا.

أخبار أخرى