صدى الشعب – راكان الخريشا
مع استمرار اليوم الثاني من مناقشات مشروع الموازنة العامة لعام 2026، واصل مجلس النواب طرح ملاحظات جوهرية تتعلق بالسياسات المالية للدولة، وسط تأكيدات متكررة بأن الموازنة بصيغتها الحالية لا تعكس الطموحات التنموية ولا تقدّم حلولًا نوعية لتحسين واقع الخدمات أو تعزيز فرص العمل.
وأكد النواب أن الموازنة ما تزال تعتمد بشكل واسع على الضرائب غير المباشرة، في وقت يرتفع فيه الدين العام وتتضخم فيه المتأخرات الحكومية، ما يزيد الضغوط على المالية العامة ويضاعف أعباء المعيشة على المواطنين، خاصة الفئات محدودة الدخل، وشددوا على ضرورة وجود رؤية واضحة للإنفاق الرأسمالي وتوجيهه نحو القطاعات الحيوية مثل التعليم، والصحة، والمياه، والكهرباء، إضافة إلى تعزيز دور المرأة والشباب باعتبارهما ركيزتين أساسيتين لبناء مستقبل اقتصادي واجتماعي مستدام.
وفي ظل المشهد الإقليمي المضطرب والفوضى المحيطة بالمنطقة، حذّر النواب من انعكاس الأزمات السياسية والاقتصادية الإقليمية على إدارة الدولة للموازنة، مطالبين بمقاربة جريئة وواقعية في تطوير السياسات المالية، وإعادة هيكلة الموارد العامة بما يحقق العدالة الاقتصادية ويعيد بناء الثقة بين المواطن والمؤسسات، ويحول التحديات إلى فرص تنموية حقيقية.
وفي ختام الجلسة، أعلن رئيس مجلس النواب، مازن القاضي، إن التصويت على مشروع الموازنة سيكون اليوم الأربعاء، مؤكداً جاهزية المجلس لإقرار الموازنة بعد استكمال الاستماع إلى مداخلات النواب وإغلاق باب النقاش.
وقالت النائب، أروى الحجايا، في قراءة نقدية حادة لمشروع قانون الموازنة لعام 2026، معتبرة أن جوهر الإشكال لا يكمن في الأرقام الواردة في بنود الإنفاق والإيرادات، بل في ضعف تنفيذ الخطط وغياب منظومة رقابية فاعلة تضبط مسار الصرف وتتابع أثره الحقيقي على حياة المواطنين، ورأت الحجايا أن الإنفاق الجاري ما يزال يبتلع الجزء الأكبر من الموازنة، في وقت لا تتجاوز فيه النفقات الرأسمالية سقف 1.6 مليار دينار، الأمر الذي يثير تساؤلات حول كفاءة إدارة المشاريع العامة، وكلفها، وآليات ضبط العطاءات، ومنع الهدر الذي يبدد فرص النمو.
وأكدت الحجايا أن فلسفة الموازنة ما تزال أسيرة خيار “تسيير الرواتب” بدلاً من تطوير القطاعات الإنتاجية والخدمية، مشيرة إلى أن العجز لم يُخفَّض بصورة فعلية، بل يُدار عبر الاقتراض الذي يفاقم المديونية، فيما تبقى الضرائب غير المباشرة عبئاً ثقيلاً على المستهلك والأسر محدودة الدخل، دون رؤية إصلاحية تعيد توزيع الأعباء بشكل عادل.
وفي سياق قراءتها السياسية، استحضرت الحجايا إرث الشهيد وصفي التل في محاربة الفساد ورفض أي تسامح مع الخطأ حين يتعلق الأمر بمصلحة الوطن، مشددة على أن المرحلة الحالية تتطلب إنهاء أي نهج يقوم على التواطؤ أو استغلال المواقع الرسمية لتحقيق مكاسب شخصية، معتبرة أن استمرار تدوير النهج ذاته في إعداد الموازنات يشبه ما وصفته بـ”تبديل الطواقي” دون تقديم حلول حقيقية على أرض الواقع.
وأشارت إلى أن الفجوة بين ما تطرحه الموازنات من أهداف وما يلمسه المواطن من نتائج ما تزال واسعة، فالواقع الفعلي لا يعكس الاحتياجات الأساسية في مختلف القطاعات، من بنية تحتية وخدمات وفرص اقتصادية، وهو ما يضع الحكومة أمام مسؤولية مراجعة أولوياتها والتزاماتها.
ولم تغفل الحجايا عن ملف البادية الجنوبية، مؤكدة أن التهميش ما يزال مستمراً وأن غياب التمثيل الحقيقي لأبنائها في مواقع صنع القرار يفاقم الشعور بالغياب، خصوصاً في سلطة العقبة الاقتصادية، وتساءلت عن أسباب خلو مجلس المفوضين من الكفاءات والخبرات الموجودة في صفوف أبناء البادية، رغم قدرتهم على الإسهام الفاعل في إدارة الملفات الوطنية وخدمة المصلحة العامة.






