ماجد توبه
في المقال السابق، ونحن نتحدث عن اصعب المراحل العربية اليوم بمتابعة ابادة غزة والضفة الغربية وسط عجز عربي شعبي وتواطؤ رسمي، خلصنا الى ان الوعي ياتي قبل الموقف والارادة والشجاعة، واستعرضنا محطات تاريخية عربية ساد فيها الوعي العربي رغم الهزائم العسكرية او السقطات لكن الوعي القومي الحقيقي لم يكسر عزيمة العرب وفرض مواقف وانتصارات عسكرية ودبلوماسية وابقى جذوة الأمل حية بنفوس هذه الأمة، قبل ان ياتي العدوان على غزة اليوم ليكشف ان الوعي القومي العربي انحدر حد التلاشي لنصبح كشعوب مجرد مشاهدين مكسوري الروح ونحن نتابع حرب الابادة في فلسطين.
انكسار الوعي العربي القومي بدا مع الرئيس المصري انور السادات، الذي ولد مهزوما نفسيا رغم نرجسيته، وتحويله نصر اكتوبر 1973 الى هزيمة امام اسرائيل، وتوجّها بالاستسلام تحت اقدام اسرائيل واميركا في كامب ديفيد بحثا عن سراب الواقعية. حينها خرجت اولى الدول العربية المحورية الثلاث من الصراع بل باتت عبئا على العرب كقيادة وسياسة لا كشعب حي لا بد ان يعود ويقود هذه الامة لتاخذ مكانها تحت الشمس.
الدولة المحورية الثانية، وقصة الدول المحورية الثلاث لا نرميه اعتباطا فهذا التاريخ والحاضر يثبت ان مصر والعراق وسوريا هي قلب العروبة ومحورها، بها تقوم الامة وبها تهزم عبر التاريخ السحيق. نقول الدولة المحورية الثانية هي العراق بعمقه وقوته وفكره القومي ذهب هو الأخر ضحية لغياب الوعي العربي، منذ لحظة احتلاله الكويت عام 1990، وصولا الى احتلاله وتدميره كاملا عام 2003، لقد شارك العرب مباشرة وغير مباشرة عندما فقدوا الوعي بالتاريخ واواصر العروبة وتقدير خطورة التغييب الاستراتيجي لمحور استقرار عربي رئيسي في المنطقة في شطب اهم عناصر القوة لهذه الأمة، فتوزع العراق ايدي سبأ بين الولايات المتحدة وايران واطلقت كل شياطين الطائفية والارهاب والفساد لتهدم حضارة بلاد الرافدين وتزيد من انكشاف ظهر العرب في اقليم تتنازعه محاور قوية هي اسرائيل وتركيا وايران.
الضربة الثالثة وربما القاتلة جاءت خلال فترة ما سمي بالربيع العربي، الذي بدا حركة جماهيرية عفوية ضاقت بالفساد والدكتاتورية والاقصاء وغياب التنمية، قبل أن تتحول الى حصان طروادة للغرب الاستعماري واسرائيل لتدمير العامود المحوري الثالث للامة: سوريا، ومعها دول اقل محورية لكنها مهمة في اسناد المحور العربي كليبيا واليمن.
في فترة هذا “الربيع العربي” ضرب ما تبقى من وعي عربي قومي في مقتل، ففي يوم وليلة فتح صندوق “بانديرا” بفعل فاعل، وهو الغرب واسرائيل، لتخلق كل شياطين الطائفية والارهاب ويتم احياء معارك صفين والجمل، وتتدفق الاسلحة والمقاتلين ومليارات الدولارات وتوظف المؤسسات الاعلامية والدينية والشعبية في حفلة جنون عربية قبل الرسمية، يصبح فيها “تحرير” طرابلس الليبية ودمشق وصنعاء الأولى قبل تحرير فلسطين، وليصبح الصراغ مع ايران هو الاساس والاكثر اولوية من الصراغ والعداء لاسرائيل.
غياب الوعي وصل بقادة الاخوان المسلمين، ممن يفترض بهم انهم راس الحربة في المعارضة العربية والاكثر نفوذا الى ان يجتمعوا في استاد القاهرة بعد ان مسكوا الحكم وجمعوا كل قيادات الجماعات الاسلامية والمصابين بعمى غياب الوعي ليعلنوا عبر الرئيس المصري الاخواني المنتخب المرحوم محمد مرسي الجهاد على سوريا لتحريرها فيما اسرائيل القريبة التي تحتل مسرى الرسول (ص) وتهجر شعبه وتذل امة الملياري مسلم في اقدس مقدساتها ليست اولوية، تماما كما حصل مع ملوك الطوائف الاندلسيين انشغلوا بحروبهم الداخلية التافهة عن زحف عدوهم الرئيسي الذي ابادهم بالنهاية عن بكرة ابيهم واقتلع جذورهم من الاندلس فحق على الاخوان والمرحوم مرسي حينها قول الشاعر “ينادي باندلس اذا حوصرت حلب”.
اعادوا سوريا الى العصر الحجري واستنزفوها بمحاربة كل ارهابيي الارض ممن وفرت لهم المليارات والرجال والاسلحة التي لو توفر 1% منها لفلسطين وغزة لتحررت لانها معركة الحق.
حتى مصر نجت من مصير سوريا بعد الانقلاب على الاخوان ليس لقلة المليارات الخليجية والتركية ولا لنقص بمفتي خراب الدول ولا مؤسسات الاعلام الكبرى التي اسهمت في شيطنة سوريا وليبيا واليمن، بل فقط لان مصر حليفة الولايات المتحدة ولن تسمح لبعض المندفعين بالخليج وتركيا ممن ياتمرون بامرها بادخال طلقة واحدة لمصر لتهديد امنها، اما سوريا وليبيا واليمن فكان مطلوبا اميركيا استباحتها وفتح الخزائن والاعلام والمؤسسات الدينية واستقطاب المقاتلين “الأشاوس” لتحريرها واعادتها لبيع الطاعة الاميركي.
هل عرفتم اليوم لماذا تذبح غزة وفلسطين من الوريد الى الوريد دون ان يتحرك احد اللهم ممن يعادون اميركا واسرائيل من من “محور الشر”.. لان العرب فشلوا وما يزالون يصرون على الفشل في معركة الوعي، والمهم هنا الشعوب ومثقفيهم قبل الحكومات. سنكسب معركة الوعي عندما نتوقف عن شتم حزب الله وايران ونشمت بالصواريخ الاسرائيلية اليومية التي تدك سوريا بعد ان اسهمنا في تقطيعها وتقليم اظافرها واستنزافها بحرب “الحرية” الاميركية لـ 12 سنة.
حتى حماس والجهاد الاسلامي لم تسلما من ازمة الوعي المشوه لدى جماهير واسعة اغلبها من التيار الديني، فهم اما يهاجمون ايران ويعتبرونها الاخطر على الامة قبل اسرائيل، او ينكرون بصورة مرضية ان تسليح ودعم هذه المقاومة ياتي من ايران..
هم باختصار، ومثلهم تجدهم في الطائفة الشيعية ايضا، لا يريدون اغلاق ملف معركة صفين، ولا يريدون تسوية الامور مع “عدو” نشترك معه بالعداء لاسرائيل وراعيها الامريكي.. انها معركة الوعي!