صدى الشعب – كتب سلامة الدرعاوي
بينما كنت أتصفح موقع “الفيسبوك”، لفت انتباهي منشور لشخص تعرض لحادث سير ويعرض “الكروكة” للبيع.
بالنسبة لي بدا الطلب غريباً ومثيراً للتساؤل، فتابعت التعليقات بنوع من الفضول.
الردود صادمة؛ أحدهم كتب، “لا تروح ولا تيجي، موضوعك عندي”، وآخر اقترح عليه توقيع وكالة لأحد المحامين لضمان إنهاء الأمور سريعاً، بينما سأل آخر بكل بساطة، “قديش طالب فيها؟”.هكذا، وبدون أي استغراب أو استنكار، كان الحديث بين المعلقين يسير كأنهم يتفاوضون على بيع سلعة عادية، وليس على شيء يتعلق بحوادث السير وتعويضات التأمين، بحثت أكثر، ووجدت أن الأمر ليس استثنائياً؛ بل بمجرد كتابة “بيع كروكات” في محرك البحث على “فيسبوك”، يمكن بسهولة العثور على منشورات مشابهة.
تبين لي أن مفهوم “بيع الكروكة” هو ببساطة أن يقوم المتضرر من حادث السير بقبض مبلغ فوري من المحامي يفترض أن يكفي لإصلاح مركبته مقابل أن يوقع له على وكالة يقوم بموجبها برفع قضية على شركة التأمين.
الفضول الصحفي تزايد لي عن هذا الأمر وبدأت بالاستقصاء عن تفاصيله، واكتشفت أن التقديرات شبه الرسمية تفيد بأن قيمة التعويضات المدفوعة من قبل شركات التأمين سنوياً بسبب هذه الممارسات تصل إلى ما يقارب 75 مليون دينار على أقل تقدير، فيما تواجه الشركات ما يقرب من 35 ألف قضية سنوياً من هذا النوع.
السؤال الذي يساورني هو من أين لمن “يشترون” هذه الكروكات عشرات الملايين التي تدفع فورياً ونقداً للمتضررين؟ ومن المستفيد من تحويل نظام التأمين الإلزامي إلى أداة “للاستثمار” وتحقيق الربح السريع، مستغلاً الثغرات القانونية والضعف الرقابي؟.
للعلم، فإن قيمة التعويض القضائي تبلغ أكثر من ضعف التعويض الرضائي بالمتوسط بحسب تقديرات خبراء التأمين، وأن هذا التعويض القضائي في حالة “بيع” الكروكة لا يتم دفعه للمتضرر حيث إنه قبض التعويض أو “ثمن الكروكة” مقدماً.
لا يمكن إنكار أن هناك شركات تأمين تمارس المماطلة وتتعامل بطرق غير مهنية مع عملائها، لكن بالمقابل، توجد شركات تلتزم بالمهنية وتعمل بجدية لرفع مستوى خدماتها وأداء حقوق مؤمنيها.
المشكلة كانت تكمن في غياب رقابة فعالة تضمن العدالة بين حملة وثائق التأمين من جهة وشركات التأمين من جهة أخرى، حيث إن قرار الحكومة عام 2014 بإلغاء هيئة التأمين ودمجها بوزارة الصناعة والتجارة كان خطأً إستراتيجياً أدى إلى تعطيل الرقابة الفعالة على التأمين حتى العام 2021 عندما تولى البنك المركزي هذه المسؤولية وبدأت جهود حقيقية لإعادة تنظيم هذا القطاع المهم والحيوي.
“شراء الكروكات” هو تحايل والتفاف على القانون، واستغلال لحاجة المتضررين من حوادث المركبات، فلا مكان له الآن في ظل الوضع الرقابي الصارم الذي نجم عنه لغاية الآن خروج العديد من شركات التأمين المتعثرة من السوق بالإضافة إلى إيقاف عدد آخر منها عن العمل لغاية تصويب أوضاعها المالية والإدارية، لذلك، فإنني على جميع الجهات ذات العلاقة من الحكومة ونقابة المحامين والبنك المركزي وضع حد لهذه التجاوزات.
كما أدعو البنك المركزي إلى نقل صلاحية فض النزاعات بين المتضررين وشركات التأمين إلى الاتحاد الأردني لشركات التأمين وتوفير الأطر القانونية له والرقابية عليه لكي يقوم بهذه المهمة، لضمان سرعة أداء الحقوق إلى أصحابها، بحيث يقتصر اللجوء للقضاء على حالات النزاع الحقيقية التي لم تحل بالتفاوض بين الأطراف.
في الأيام القادمة، سأستمر بمتابعة هذا الملف عن كثب، لأن على الرأي العام أن يكون على دراية بهذه الظاهرة الخطيرة التي تستغل حاجة المواطن وتستنزف ملايين الدنانير من قطاع مهم وهو قطاع التأمين بشكل ظاهره قانوني وباطنه عليه الكثير من علامات الاستفهام.