الشوحة”لصدى الشعب “: 90% من القطاعات التجارية متعثرة والمحاكم تضج بقضايا الديون.
6200 رخصة سارية فقط من أصل 14 ألف تاجر مسجّل.
صدى الشعب – إربد – عرين مشاعلة
في مدينة كانت أصوات الباعة تملأ شوارعها وتكاد الأرصفة لا تتّسع للمتسوقين، عمّ الصمت فجأة. صمتت الأصوات التي اعتادها المارّة وغيّبت الأزمة ملامح الحياة التجارية التي طالما شكّلت نبض إربد. اليوم، تتحدث لافتات “للإيجار” المعلّقة على واجهات المحال المغلقة عن أزمة خانقةوتروي أبواب الحديد المُسدلة حكاية ركود اقتصادي غير مسبوق أصاب قلب المدينة.
من شارع السينما إلى الحصن، ومن الثلاثين إلى شارع الجامعة وحكما، تراجعت الحركة، خفتت الأصوات وتحولت شوارع لطالما كانت مسرحًا نابضًا للتجارة إلى مشاهد جامدة، تُختصر بكلمة واحدة: “أزمة”. أزمة تتفاقم يومًا بعد يوم، تدفع المزيد من التجار إلى الانسحاب بصمت من سوق يضيق بهم وبخسائرهم، ويختنق بثقل التكاليف وتآكل الأرباح.
وفي تصريحات لـ”صدى الشعب”، وصف رئيس غرفة تجارة إربد محمد الشوحة، الواقع التجاري في المحافظة بأنه من أصعب المراحل الاقتصادية التي مرت بها المدينة، مؤكدًا أن وتيرة الإغلاقات تتسارع بشكل يومي ما يحوّل الأزمة من ظرفية إلى بنيوية تهدد استمرارية مئات المشاريع الصغيرة والمتوسطة.
وأشار الشوحة إلى أن عدد التجار المسجلين لدى الغرفة يقارب 14 ألفًا، في حين لا تتجاوز الرخص التجارية السارية فعليًا 6200، ما يعكس فجوة حادة وواقعًا خطيرًا من الانسحاب التدريجي من السوق نتيجة التعثر المالي وغياب الجدوى الاقتصادية. وأضاف أن نحو 90% من القطاعات التجارية تعاني من تعثر فعلي مع استثناء نسبي لمحال التموين والمطاعم التي لا تزال تحافظ على قدر محدود من النشاط المرتبط بالحاجات الأساسية.
وأكد أن حالة العجز عن تسديد الالتزامات المالية تتزايد يومًا بعد يوم، ما دفع عددًا كبيرًا من التجار إلى أروقة المحاكم، وأصبحت قضايا الديون والتعثر التجاري تتصدر المشهد القضائي في المحافظة، مشيرًا إلى أن الضغط النفسي والاقتصادي على أصحاب المحال بات مرهقًا لدرجة تهدد قدرتهم على النهوض مجددًا.
ولم يغفل الشوحة الإشارة إلى الأعباء الضريبية المرتفعة التي تثقل كاهل التجار معتبرًا أن السياسات الضريبية الحالية تعيق حركة السوق وتقلّص من هوامش الربح. وأضاف أن وجود المولات والمراكز التجارية الكبرى التي تقدم خيارات متنوعة وجاذبة للمستهلكين غيّر من أنماط الشراء لدى بعض الفئات ما أضعف من قدرة الأسواق التقليدية على الصمود، وشكّل تحديًا إضافيًا أمام المحال الصغيرة للحفاظ على استمراريتها.
وفي محاولة لاحتواء الأزمة، أشار الشوحة إلى أن غرفة تجارة إربد بالتعاون مع غرفة تجارة عمان تعمل على بلورة خطط مساندة لإعادة تنشيط السوق تشمل تبادل الخبرات وتقديم المشورة إلى جانب تفعيل برامج تدريبية تساعد التجار على اتخاذ قرارات مستندة إلى دراسات سوق واقعيةتبدأ من اختيار الموقع وتخفيض الكلف التشغيلية، وصولًا إلى تحسين خدمات ما بعد البيع،اضافة الى أن الغرفة بالتعاون مع مؤسسات الشأن الاقتصادي تعمل على دعم التجار المتضررين وتقديم سبل للإرشاد المهني لكنها تبقى بحاجة إلى دعم حكومي حقيقي يترجم إلى قرارات تنفيذية تُعيد الثقة إلى السوق وتمنح أصحاب المحال الأمل بالاستمرار.
وفي ختام حديثه، أطلق الشوحة نداءً واضحًا إلى الجهات الرسمية داعيًا إلى إطلاق حزمة إنقاذ اقتصادية شاملةمشددًا على أن التاجر هو العمود الفقري للاقتصاد المحليوأن انهيار الأسواق التجارية لن يقتصر أثره على أصحاب المحال فقط بل سيمتد إلى مجمل الدورة الاقتصادية في المدينة.
كما شدد على أهمية إشراك غرف التجارة والصناعة في صياغة التشريعات الاقتصاديةمعتبرًا أن التشاور مع ممثلي القطاع قبل سنّ القوانين يضمن إنتاج تشريعات متوازنة قابلة للتطبيق، وتحاكي الواقع الحقيقي للسوق.
ختاما ،وفي ظل تفشي لافتات “مغلق” و”للإيجار” على نوافذ المحلات، تقف إربد على حافة مفترق حاسم. بين واقع يزداد قسوة وتجار يصارعون من أجل البقاء، تبدو الحاجة أكثر إلحاحًا لتدخل رسمي يعيد الحياة إلى شرايين السوق ويوقظ المدينة من سبات اقتصادي فرضه زمن الركود.
