صدى الشعب – كتب: د. عَايش النَّوَايْسَةُ، خَبِيرٌ وَمُسْتَشَارٌ تَرْبَوِيٌّ
يَمُرُّ الْعَالَمُ الْيَوْمَ بِتَحَوُّلَاتٍ مُتَسَارِعَةٍ فِي كَافَّةِ جَوَانِبِ الْحَيَاةِ، حَتَّى غَدَا هَذَا الْعَصْرُ يُعْرَفُ بِسِمَةِ التَّغَيُّرِ الْمُسْتَمِرِّ. وَأَصْبَحَتِ الْمَعْرِفَةُ وَالْمَهَارَاتُ عُرْضَةً لِلتَّطَوُّرِ السَّرِيعِ، مِمَّا يَسْتَوْجِبُ عَلَى الْمُؤَسَّسَاتِ التَّرْبَوِيَّةِ وَالتَّعْلِيمِيَّةِ ضَرُورَةَ التَّكَيُّفِ السَّرِيعِ مَعَ هَذَا التَّغَيُّرِ وَالتَّطَوُّرِ. وَقَدْ أَضْحَى هَذَا يُشَكِّلُ تَحَدِّيًا مُهِمًّا أَمَامَهَا حَتَّى تَسْتَمِرَّ فِي أَدَاءِ عَمَلِهَا، وَتُؤَدِّيَ الدَّوْرَ الْمُتَوَقَّعَ مِنْهَا عَلَى الْوَجْهِ الْأَمْثَلِ. لِذَا، تَعْمَلُ وِزَارَةُ التَّرْبِيَةِ وَالتَّعْلِيمِ، وَضِمْنَ أُطُرِ مَشْرُوعِ التَّحْدِيثِ الِاقْتِصَادِيِّ، عَلَى إِجْرَاءِ تَطْوِيرٍ حَقِيقِيٍّ لِكَافَّةِ عَنَاصِرِ الْعَمَلِيَّةِ التَّعْلِيمِيَّةِ التَّعَلُّمِيَّةِ، بِمَا يُسْهِمُ فِي تَحْقِيقِ التَّمَيُّزِ وَالْوُصُولِ إِلَى الرِّيَادَةِ الْعَالَمِيَّةِ. لِذَا، فَلَا بُدَّ مِنْ تَطْوِيرِ النِّظَامِ التَّعْلِيمِيِّ بِصُورَتِهِ الشُّمُولِيَّةِ، وَالَّذِي يَضُمُّ عَنَاصِرَ الْعَمَلِيَّةِ التَّعَلُّمِيَّةِ التَّعْلِيمِيَّةِ وَمُكَوِّنَاتِهَا، سَوَاءً كَانَتْ مُكَوِّنَاتٍ بَشَرِيَّةً، مِثْلَ: الطَّلَبَةِ، وَالْمُعَلِّمِينَ، وَالْهَيْئَةِ الْإِدَارِيَّةِ، وَالْعَامِلِينَ كَافَّةً، أَوْ مُكَوِّنَاتٍ مَادِّيَّةً، مِثْلَ: الْمَنَاهِجِ، وَالْمُقَرَّرَاتِ، وَالْمَبَانِي، وَالْقَرَطَاسِيَّةِ، وَالْأَهْدَافِ وَالْغَايَاتِ. كَمَا تَدْخُلُ ضِمْنَ مَفْهُومِهِ الْعَلَاقَاتُ الْوَظِيفِيَّةُ الَّتِي تَرْبِطُ هَذِهِ الْمُكَوِّنَاتِ مَعًا، وَكُلُّ مَا يَحْدُثُ بَيْنَ هَذِهِ الْمُكَوِّنَاتِ بِسَبَبِ الْعَلَاقَاتِ الَّتِي تَرْبِطُهَا مَعًا؛ لِأَدَاءِ وَظَائِفَ مُعَيَّنَةٍ وَتَحْقِيقِ أَهْدَافٍ مُحَدَّدَةٍ مُسْبَقًا.
وَيَتَطَلَّبُ تَحْقِيقُ هَذَا جُهْدًا دَؤُوبًا فِي كَافَّةِ الْمَجَالَاتِ. فَفِي مَجَالِ الْمِنْهَاجِ الدِّرَاسِيِّ، لَا بُدَّ مِنَ الْعَمَلِ عَلَى تَطْوِيرِهِ بِمَا يَنْسَجِمُ مَعَ أَفْضَلِ الْمُمَارَسَاتِ الْعَالَمِيَّةِ، وَأَنْ يَنْسَجِمَ مَعَ الْأُسُسِ النَّفْسِيَّةِ وَالْمَعْرِفِيَّةِ وَالْفَلْسَفِيَّةِ وَالِاجْتِمَاعِيَّةِ الْمُرَادِ الْوُصُولُ إِلَيْهَا. وَلَا بُدَّ مِنَ الْمُوَاءَمَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُخْرَجَاتِ سُوقِ الْعَمَلِ، وَأَنْ يَرْتَبِطَ بِالْبِيئَةِ الْمَحَلِّيَّةِ وَيُعْكِسَ احْتِيَاجَاتِهَا الْفِعْلِيَّةَ، وَأَنْ يَتَّسِمَ بِالْمُرُونَةِ بِحَيْثُ يَسْمَحُ بِمُرَاجَعَتِهِ بِصِفَةٍ دَوْرِيَّةٍ مُنْتَظِمَةٍ وَبِإِدْخَالِ التَّعْدِيلَاتِ الضَّرُورِيَّةِ عَلَيْهِ، وَأَنْ تَكُونَ هُنَاكَ مُشَارَكَةٌ وَطَنِيَّةٌ مِنْ كَافَّةِ الْمُؤَسَّسَاتِ الْوَطَنِيَّةِ فِي تَحْدِيدِ أُطُرِهِ الْعَامَّةِ.
وَفِي جَانِبِ الْمُعَلِّمِ، لَا بُدَّ مِنْ تَفْعِيلِ مَهْنَنَةِ التَّعْلِيمِ (الرُّخْصَةِ الْمِهْنِيَّةِ) مِنْ خِلَالِ إِيجَادِ إِطَارٍ وَطَنِيٍّ مِهْنِيٍّ مُعْتَرَفٍ بِهِ وَمُنْتَظِمٍ وَمُرْتَبِطٍ بِعَمَلِيَّاتِ إِعْدَادِ الْمُعَلِّمِينَ. وَتُعَدُّ الرُّخْصَةُ الْمِهْنِيَّةُ حَاجَةً مُلِحَّةً لِمَا تُؤَكِّدُهُ مِنْ أَهَمِّيَّةِ وَمَكَانَةِ مِهْنَةِ التَّعْلِيمِ وَالْمُعَلِّمِ فِي الْمُجْتَمَعِ، وَتَشْجِيعِ الْإِقْبَالِ عَلَى مِهْنَةِ التَّعْلِيمِ وَضَمَانِ عَدَمِ تَسَرُّبِ ذَوِي الْكَفَاءَاتِ مِنْهَا، وَتَحْسِينِ أَدَاءِ الْمُعَلِّمِ وَتَشْجِيعِهِ عَلَى اكْتِسَابِ مَعَارِفَ وَخِبْرَاتٍ جَدِيدَةٍ، وَمَنْحِ الْمُعَلِّمِ حَوَافِزَ مَادِّيَّةً وَمَعْنَوِيَّةً مَبْنِيَّةً عَلَى الْكَفَاءَةِ وَالْإِنْتَاجِيَّةِ، وَالْمُسَاعَدَةِ فِي تَقْيِيمِ وَتَصْنِيفِ الْمُعَلِّمِينَ.
وَفِي جَانِبِ التَّدْرِيبِ وَالتَّنْمِيَةِ الْمِهْنِيَّةِ، لَا بُدَّ مِنْ تَطْوِيرِ سِيَاسَاتٍ وَخُطَطٍ لِلتَّنْمِيَةِ الْمِهْنِيَّةِ الْمُسْتَمِرَّةِ لِلْمُعَلِّمِينَ، وَالتَّرْكِيزِ عَلَى الْمَنْحَى الْعَمَلِيِّ فِي التَّدْرِيبِ وَبِنَاءِ الْقُدُرَاتِ، وَإِعْطَاءِ وَزْنًا لِلتَّدْرِيبِ الذَّاتِيِّ مِنْ خِلَالِ بَرَامِجَ مِهْنِيَّةٍ مُؤْتَمَتَةٍ عَبْرَ مِنْصَةِ التَّدْرِيبِ. وَلَا بُدَّ مِنْ ضَمَانِ الْجَوْدَةِ النَّوْعِيَّةِ لِلتَّنْمِيَةِ الْمِهْنِيَّةِ وَالْمُتَابَعَةِ وَالتَّقْيِيمِ.
وَفِي مَجَالِ بِيئَةِ التَّعَلُّمِ، لَا بُدَّ مِنْ تَحْسِينِهَا وَتَطْوِيرِهَا وَالتَّخْفِيفِ مَا أَمْكَنَ مِنَ الِاكْتِظَاظِ الصَّفِّيِّ، وَتَحْسِينِ بِيئَةِ التَّعَلُّمِ الْإِلِكْتُرُونِيِّ وَالتَّعَلُّمِ الِافْتِرَاضِيِّ، وَالتَّنْوِيعِ فِي أَدَوَاتِ وَطُرُقِ التَّعَلُّمِ الرَّقَمِيِّ مِنْ خِلَالِ التَّرْكِيزِ عَلَى التَّعَلُّمِ التَّفَاعُلِيِّ الَّذِي يَجْعَلُ الطَّلَبَةَ فِي حَالَةٍ نَشِطَةٍ، وَذَلِكَ بِجَعْلِ الْمُمَارَسَاتِ التَّدْرِيسِيَّةِ الْفَاعِلَةِ تُحَفِّزُ التَّفَاعُلَ بَيْنَ الْمُعَلِّمِ وَالْمُتَعَلِّمِينَ، وَتَجْعَلُهُمْ قَادِرِينَ عَلَى التَّفْكِيرِ بِالْمَعْرِفَةِ وَتَبَادُلِهَا وَتَطْوِيرِهَا وَالْوُصُولِ إِلَى حَلِّ الْمُشْكِلَاتِ وَالْإِبْدَاعِ وَالِابْتِكَارِ كَمَهَارَاتِ تَفْكِيرٍ عُلْيَا تَنْسَجِمُ مَعَ مُتَطَلَّبَاتِ التَّعَلُّمِ فِي الْقَرْنِ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ.