صدى الشعب – جهاد الفار
في غزة، حيث يتكسر الضوء عند جدران المنازل المهدّمة، وحيث تُحاصر الحياة من كل الجهات، يُكتب فصل جديد من فصول الألم، لكن هذه المرة بلغة الجوع… بلغة الموت البطيء. مجاعة، نعم، مجاعة حقيقية، لا تشبه تلك التي قرأنا عنها في كتب التاريخ، بل أقسى، أفظع، أوجع. مجاعة تحدث أمام أعيننا، ونحن نتابع بصمتٍ مُهين، بصمتٍ يُشبه الخيانة.
أين أنتم يا أحرار العالم ؟ أين أنتم أيها المسلمون؟
ألم تسألوا أنفسكم: أليسوا بشرًا؟
لماذا لا تصلهم قطرة ماء؟ لماذا يُمنع عنهم الدواء والغذاء؟ هل أصبح إيصال الطعام تهمة؟ هل باتت إنسانيتنا رهينة مصالح وسياسات جبانة؟
يا أحرار العالم يا مدعي الإنسانية أنا لا أطلب منكم أن تعلنوا الحرب على الصهاينة، لقد اقتنعت أنكم لن تفعلوا، لكن ما لا أفهمه، ما لا أستوعبه، هو هذا العجز المهين عن فعل أقل القليل.
غزة تُذبح أمام مرأى ومسمع العالم، ونحن لا نملك حتى أن نمد لها يد الرحمة. هل رأيتم طفلاً جائعًا يلتقط بقايا الخبز من بين الركام؟ هل رأيتم أماً تهمس لطفلها الجائع: “نم، لعل الحلم يشبعك”؟ هل رأيتم مرضى يموتون لأن لا دواء، لا كهرباء، لا شيء سوى الصبر والدعاء؟
والله، لو رأينا حيوانًا يُدهس أمامنا لبكت قلوبنا، فكيف نصمت ونحن نرى الإنسان يُسحق؟
كيف نُبرر لأنفسنا هذا الصمت؟ هذا الجبن؟
وكأننا دون أن ندري نشارك في الحصار، نساهم في الجريمة، نكتب فصول النهاية لغزة.
غزة التي لم تُهزم يومًا، غزة التي لم تنحنِ، غزة التي تحملت ما لا يُحتمل، لماذا تُعاقَب؟ لأنها صمدت؟ لأنها قاومت؟ لأنها لم تساوم؟
ربما أرادوا إنهاء غزة، لكنهم لا يعلمون أن غزة لا تُمحى.
غزة فكرة، روح، نبض مقاومة، ولن تموت.
لكننا، نحن من ماتت ضمائرهم، نحن من نُحاسب عند الله، وعند الله تجتمع الخصوم.
غزة، رغم الجوع، رغم الحصار، ستشهد و ستقول: نحن متنا، وأنتم كنتم تنظرون.