صدى الشعب – كتب محمد علي الزعبي
في اروقة مجلس النواب وفي كل عام تتجدد نقاشات الموازنة تحت قبّة البرلمان، ويقف النواب أمام لحظة وطنية فاصلة تقيس وعيهم بقدر ما تكشف قدرة الدولة على مواجهة تحدياتها، مشهد تختلط فيه لغة الأرقام بضغط الشارع، وتتحرك داخله إرادات متباينة ما بين من يسعى إلى تسجيل موقف، ومن يحاول التأسيس لإصلاح حقيقي يمسّ حياة المواطن ويعيد ترتيب أولويات الدولة.
يدخل النواب محمّلين بثقل دوائرهم وبمطالب الناس التي تتزاحم بين ضيق المعيشة وارتفاع التكاليف وتراجع الخدمات، وفي كل مداخلة، يظهر الفارق بين خطاب يلامس جوهر الأزمة بنضج ومسؤولية، وبين خطاب يميل إلى المزاودة أو الاستهلاك السياسي، وفي المقابل، تقف الحكومة بدفاع محسوب، تقدّم أرقامها كمن يفتح ملفًا دقيقًا عن واقع اقتصادي لا يحتمل التجميل، محاولةً تبرير اختياراتها والتأكيد على سعيها للحفاظ على التوازن المالي في زمن يشتد فيه الضغط الإقليمي والاقتصادي.
غير أنّ جوهر النقاش لا ينبع من حدّة الكلمات، بل من عمق التحليل وقدرة البرلمان والحكومة معًا على تحويل الملاحظات إلى التزامات تُنفّذ لا تُقال فقط، فالموازنة ليست ساحة صخب، بل وثيقة وطنية تُرسم من خلالها خيارات الدولة، ويُقاس عبرها مستوى الرقابة وجدية الإدارة وصدق النوايا تجاه المواطن الذي ينتظر أثرًا ملموسًا يُخفف أعباءه.
يتابع المواطن هذا المشهد بجرعة أمل ممزوجة بالقلق؛ يترقب نتائج عملية في الخدمات والتنمية والتعليم والصحة والبنية التحتية، وهو يدرك أن الموازنة ليست نصًا ماليًا فحسب، بل انعكاس لإرادة سياسية، ومرآة لحوار مؤسساتي يجب أن يعلو فيه صوت الحكمة فوق ضجيج المصالح.
وفي النهاية، تبقى نقاشات الموازنة لحظة اختبار حقيقية لكفاءة الدولة وصلابة مؤسساتها، وتميّز بين الخطاب العابر والموقف المسؤول، وما يحتاجه الأردن اليوم هو تحويل هذه النقاشات إلى ممارسة رقابية ناضجة تستند إلى رؤية إصلاحية واقعية، حتى يبقى الوطن واقفًا بثبات وسط العواصف، محمولًا بإرادة وعيٍ وقيادةٍ ومسؤولية وطنية صادقة.






