الحجارة في مواجه المخرز ” الاسرائيلي ”
الاغاني الفلسطينية أعقاب الانتفاضة الأولى
صدى الشعب – فايز الشاقلدي
شَكلت الانتفاضة الفلسطينية الأولى في الثامن من كانون الاول، منعطفاً بارزًا وتحولاً مهماً في مسيرة الشعب الفلسطيني وقضيته، التي أحياها الشعب الفلسطيني أمس، تحت وطأة العدوان الصهيوني الغاشم مروراً من الحجارة إلى ” طوفان الاقصى” التي أعتبرها الفلسطينيون أوسع انتفاضة شعبية ضد إسرائيل عام 1987، التي سميت بـ”انتفاضة الحجارة” أو “الانتفاضة الأولى” والتي امتدت لست سنوات، وانتهت بتوقيع اتفاقيات أوسلو بين إسرائيل ومنظمة تحرير الفلسطينية عام1993 .
ووسط حرب عاتية بين جيش الاحتلال والمقاومة الفلسطينية تدور رحاها لليوم الـ63، في وقت مرير على قطاع غزة وفلسطين، لتسجل صفحة من تاريخ النضال الفلسطيني امتدت ما بين1987 -1994 لـ 79 شهرا، واستشهد فيها نحو 1550 شهيدا فلسطينيا، وجرح حوالي 70 ألف فلسطيني واعتقل فيها ما بين 100 إلى 200 ألف فلسطيني .
وفي ظل هذه الظروف تتصاعد وتيرة الغضب الفلسطيني في الخارج ومخيمات اللاجئين والشتات، على واقع الأحداث في قطاع غزة، فقد عبر ” أبو أحمد ” عن استياءه الشديد جراء ما يحدث في الداخل المحتل، داعياً إلى تحريك كافه أشكال المعارضة ضد ” إسرائيل ”
وبدوره طالب أحد النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، بتجديد الانتفاضة الفلسطينية، للتخفيف على الأهل في قطاع غزة، حيث
اندلاع بركان الغضب الشعبي الفلسطيني من مخيم جباليا، لدى تشييع شهداء حيث يقطن أهاليهم ليمتد إلى قطاع غزة برمته، وتتردد أصداؤه بقوة أيضًا في الضفة الغربية المحتلة .
وشاركت الطائرات المروحية مع قوات الاحتلال في قذف القنابل المسيلة للدموع والدخانية لتفريق المتظاهرين، واستشهد وأصيب في ذلك اليوم بعض المواطنين، وفرضت سلطات الاحتلال نظام منع التجول على بلدة ومخيم جباليا وبعض أحياء في قطاع غزة.
وهدأت المعارك ليومين كاملين وفي اليوم الثالث 10 ممن كانون الأول تجددت المظاهرات والاشتباكات مع قوات الاحتلال، حيث عمّت مختلف مدن وقرى ومخيمات الضفة الغربية وقطاع غزة، في أكبر تحدٍ لسلطات الاحتلال وإجراءاتها التعسفية والقمعية ضد أبناء الشعب الفلسطيني، وفي المقابل واجه أهالي الضفة الغربية وقطاع غزة رصاص قوات الاحتلال بصدورهم العارية، وأمطروا جنود الاحتلال الذين تمترسوا بسياراتهم المدرعة بالحجارة والزجاجات الفارغة وقنابل المولوتوف، مما أدى إلى استشهاد وإصابة العديد من المواطنين برصاص جيش الاحتلال.
قنبلة مولوتوف
وفي قطاع غزة، تحول الصدام بين الجماهير وقوات الاحتلال إلى معركة حقيقية، حيث كانت المدينة مغلقة تمامًا، والطرق مسدودة بالمتاريس، وجميع المدارس والجامعات علقت الدراسة، والشوارع يملؤها الحطام، والدخان الأسود المنبعث من الإطارات المحترقة، ورفع المتظاهرون الأعلام الفلسطينية وصور الشهداء، وتعالت الهتافات المنددة بالاحتلال وقمعه وبطشه، واعترف ناطق باسم جيش الاحتلال واصفًا ذلك اليوم المتأجج قائلًا إن “قنبلة مولوتوف ألقيت على عربة عسكرية وأن الأمور ساخنة جدًا”.
وتصاعدت الانتفاضة يومًا بعد يوم، حيث تصدى الشعب الفلسطيني بأكمله بجسده ودمه لكل آلة القمع والوحشية الإسرائيلية في أضخم انتفاضة جماهيرية عارمة شهدتها الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ سنوات طويلة، بل شهدها العالم الحديث، وأطولها حيث انتهت في الخامس من أيار 1994، وذلك مع دخول القوات الفلسطينية المحررة بعد توقيع اتفاقية إعلان المبادئ الفلسطينية الاسرائيلية – أوسلو.
المصيدة والسكين.. أسلحة الانتفاضة
استطاع الشعب الفلسطيني أن يبتكر الوسائل القتالية المناسبة لمواجهة جيش الاحتلال الذي بدوره لم يدخر جهدًا في كشف هذه الوسائل وقمعها بالطرق الهمجية والإرهابية التي واجهتها مقاومة فلسطينية وبوسائل قتالية جديدة، فحاربت فلسطين بالحجر، الالتحام الشعبي، السكين، الزجاجات الحارقة، الحرائق، المصيدة، وسلاح العوائق.
استطاعت الانتفاضة، أن تأكد على وحدة الشعب الفلسطيني في جميع أماكنه، فبانضمام فلسطينيي الأراضي المحتلة عام 1948 إلى أشقائهم في الأراضي المحتلة منذ عام 1967 جسد قوة وجذور الهوية الفلسطينية العربية الإسلامية، وجسد الوعي الفلسطيني المتنام الذي عززته الاتصالات ما بين الفلسطينيين في كل المناطق الفلسطينية المحتلة.
الانتفاضة الأولى أرقام وحقائق
ووفق وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، أشارت إحصائيات مؤسسة رعاية أسر الشهداء والأسرى إلى استشهاد 1550 فلسطينيًا، اعتقال 100 ألف خلال الانتفاضة.
كما تشير إحصائيات مؤسسة الجريح الفلسطيني إلى أن عدد جرحى الانتفاضة يزيد عن 70 ألفًا، يعاني نحو 40% منهم من إعاقات دائمة، 65% يعانون من شلل دماغي أو نصفي أو علوي أو شلل في أحد الأطراف، بما في ذلك بتر أو قطع لأطراف مهمة، كما كشفت إحصائية أعدتها مؤسسة التضامن الدولي أن 40 فلسطينيًا سقطوا خلال الانتفاضة داخل السجون ومراكز الاعتقال الإسرائيلية، بعد أن استخدم المحققون معهم أساليب التنكيل والتعذيب لانتزاع الاعترافات.
وصدر عن مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الاراضي المحتلة (بيتسيلم) تقريراً بمناسبة الذكرى السنوية العاشرة للانتفاضة، أكد استشهاد 1346 فلسطينيًا من بينهم 276 طفلًا، على أيدي قوات الأمن الاسرائيلية و162 شهيدًا على أيدي ما يسمى بالوحدات الخاصة، فضلا عن استشهاد 133 فلسطينيًا على أيدي المدنيين (المستوطنين) الإسرائيليين، فيما قتل 256 مدنيًا اسرائيليًا، على أيدي الفلسطينيين، وقتل 127 رجل أمن إسرائيليًا على أيدي الفلسطينيين.
وذكر المركز، أنه تم ترحيل 481 فلسطينيًا من الأراضي المحتلة، تعذيب عشرات الآلاف من الفلسطينيين خلال استجوابهم، إصدار 18000 أمر اعتقال إداري ضد فلسطينيين، هدم 447 منزلًا فلسطينيًا (على الأقل) هدمًا كاملًا كعقوبة، إغلاق 294 منزلًا فلسطينيًا (على الأقل) إغلاقًا تامًا كعقاب، هدم 81 منزلًا فلسطينيًا (على الأقل) هدمًا كاملًا خلال قيام جنوب الاحتلال الإسرائيلي بعمليات البحث عن المطلوبين.
وتابع، أنه جرى هدم 1800 منزل فلسطيني (على الأقل) بحجة قيام أصحابها بالبناء بدون ترخيص، فيما بلغ عدد المتواطئين الذين قُتلوا على أيدي فلسطينيين حتى نهاية تشرين الثاني 1997 نحو 1068 شخصًا، مع إرغام عشرات الآلاف من الفلسطينيين المتزوجين من غير المقيمين في المناطق المحتلة العيش بعيدًا عن بعضهم البعض، ترحيل مئات الزوجات والأزواج والاطفال المقيمين في المناطق المحتلة بحجة انتهاء فترة زيارتهم ولا يملكون بطاقة إقامة، وتقييد زيارة الأقارب للمناطق الفلسطينية.
الاغاني الفلسطينية والتراث الشعبي أعقاب الانتفاضة
ما أدرك أغنية الانتفاضة الفلسطينية الأولى حاضرًا بعد 36 عامًا من ثورتها، بحضور الأغنية والأنشودة الفلسطينية بأشكالها كافّة في الوعي الجمعي أمامها في النضال والمقاومة، منذ ما قبل النكبة حتى يومنا هذا، ما إنتاج التراث الغنائي الفلسطينيّ والوطنيّ، من الميجانا والعتابا وظريف الظهر إلى “ “طالعك يا عدوي طالع” و”طل سلاحي من جراحي”، إلى أغاني “وين رائع”، و”انزلنا ع الشوارع”، و”ثوري ثوري”، و”سبّل عيونه”، وأناشيد “يا إمي الحنونة يا إمي”، و” “احتار القلب واحتارت العيون”، و”كرمال الوطن عيون”، وغيرها.
وما مايز أغاني الانتفاضة الأولى، هو ظهور الأناشيد والفرق الانشادية الخاصة في الشتات، وفي الأردن محددًا، مثل فرقة اليرموك التي ما فاعلة خلال اليوم، واشتهرت الانتفاضة بألبوم “أمي الحنونة” الذي شكل وعي الجماهير ومَثّل “اليرموك” في تلك المرحلة، إضافة لفرق أخرى مثل فرقة الشهداء والفوارس والراقاء والغرباء وغيرها، كما تتميّز “انتفاضة المقاومة” بظهور فرق فلسطينيّة داخل وخارج الأرض المحتلة، مثل: فرقة صابرين والرحالة ويعاد والطريق وبلدنا، فنّانين مثل: وليد عبد السلام ومصطفى الكرد، إضافة إلى فنّانين عرب، مثل: الشيخ إمام ومارسيل خليفة وأحمد قعبور وخالد الهبر و جورج قرمز وغيره.
ومما أنتجته الانتفاضة من حالة غنائيّة بارزة في الأرض المحتلة، كان رابطة التراث الشعبي الفلسطيني بالأغنية النضالية، وهو ما أسّسته فرقة الفنون الشعبية التي ضمت أغانٍ تراثيّة ارتبطت بالانتفاضة، وحظيت بانتشار واسع في منطقة الغرب خصوصًا، مثل: “مشعل”، “وادي أبلو”. ، و”زريف”، كما ظهر الزجل الفلسطيني من سمات أغنية الانتفاضة، ومنهم الزجّال ثائر البرغوثي بأغنيات عدة، منها: “شدّي انتفاضة”، و”نزلوا صبايا وشباب”.
وصعدت روح الانتفاضة في الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948، بغناء فرقة “يُعاد” الجليليّة أغاني فرقة العاشقين، التي وجدت على نطاق واسع في جميع قرى ومدن الأرض المحتلة مع بداية الانتفاضة، إضافة إلى أغاني فرقة صابرين “عن إنسان”، و”دخان البراكين” وغيرها، والتي كانت ابنة الرامة الجليليّة، الفنانة كاميليا جبران مغنّيتها الرئيسيّة، لتتجلّى بعد ذلك حالة غنائية جديدة وفريدة في الداخل، وكان الصوت النسائيّ بارزًا فيها، إذ بدأت على أولها انطلاقتها 3 من أهم فناني الأرض المحتلة، الفنانة الراحلة ريم بنّّا، والفنانتين أمل مرقص وريم تلحمي.
لقد بلور مزيجُ الأغنية التراثيّة والزّاجليّة والثوريّة والنشيد الهادف والرصين، المكانة الفنّيّة والغنائيّة للانتفاضة الفلسطينيّة الشعبيّة عام 1987، ورسخ الوعي الفلسطينيّ بحتميّة النضال وأهمية الأغنية والأنشودة العظيمة، في أظهر هذا الوعي بالصوت والحنان، وتشكيله وتأثير الروح الوطنيةّة في جيل الانتفاضة، والأجيال القادمة، وهو ما بدأت جلية في العديد من الأغاني والأناشيد باختلاف اتجاهاتها وتوجهاتها، وما تتواصل معه قناة فلسطين اليوم هو وياندري لنهج الأغنية والفلسطينيين الأصيل هذا، الذي يوجه الوعي الفلسطيني والعربي إلى عدالة قضية فلسطين وبرازها في أسباب مختلفة عربيا وعالميا.