الإصرار الحكومي على إهمال أهمية الطلب المحلي باعتباره محركا أساسيا لتعزيز النمو الاقتصادي غير مفهوم، خاصة بعد الصعوبات التي نواجهها في جذب الاستثمارات الخارجية التي تتراجع عاما بعد آخر.
ونستطيع القول إن جذب الاستثمارات الخارجية أصبح أمرا معقدا في ظل البيئة الاقتصادية العالمية التي تزداد ضبابية وصعوبة، وخاصة بعد تعمق التداعيات الاقتصادية لفيروس “كورونا” المستجد.
يرافق ذلك الصعوبات الكبيرة التي يواجهها الاستثمار المحلي وعدم قدرته على التوسع، لا بل عدم قدرته على الصمود؛ حيث تشهد غالبية القطاعات والأنشطة الاقتصادية تراجعات ملموسة جراء الأزمة ذاتها التي تواجهها مختلف دول العالم.
تكاد تجمع مختلف مدارس التفكير الاقتصادي، وتكرسه سياسات مختلف دول العالم المتقدم، على أن تعزيز الطلب المحلي للمؤسسات والأفراد هو البوابة الأساسية لدفع عجلة النمو الاقتصادي، لذلك نجد أن الكثير من هذه الدول تقدم الدعم والمساعدة للمستهلكين والمؤسسات للحفاظ على قدراتها الشرائية قدر الإمكان، سواء من خلال دعم أجور العاملين في القطاعين العام والخاص، أو من خلال زيادة الأجور.
سرعان ما يأتي الجواب من قبل العديدين من أن الدولة الأردنية فقيرة وغير قادرة على تقديم الدعم والمساعدة للمؤسسات والأفراد المتضررين من جائحة كورونا، والجواب ببساطة، أن الموضوع مرتبط بالخيارات الاقتصادية التي تعتمدها الدولة أكثر من ارتباطه بالقدرات المالية للدولة.
الكثير من الدول حصلت على ديون خارجية وداخلية من أجل الحفاظ على الحدود الدنيا من مقدراتها الاقتصادية، لأنها تدرك خطورة تعمق الانكماش الاقتصادي واستدامته لسنوات، ليس فقط على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لمواطنيها من حيث تعمق الفقر والبطالة، بل تأثيراته الكارثية على استقرار ماليتها العامة؛ إذ إن استمرار الانكماش الاقتصادي يعني تراجعا ملموسا في الإيرادات العامة للدول، وبالتالي المزيد من الدين العام.
تعزيز الطلب المحلي، باعتباره مخرجا لحالة الانكماش الاقتصادي في الأردن، يتطلب الذهاب باتجاه إجراء تخفيضات كبيرة على الضرائب غير المباشرة والمتمثلة في الضريبة العامة على المبيعات والضرائب الخاصة والرسوم الجمركية لضخ أكسجين في الحياة الاقتصادية من خلال انخفاض الأسعار.
وتعزيز الطلب المحلي يتطلب كذلك إعادة النظر بسياسات الأجور المعمول بها حاليا؛ حيث ذهبت استجابة الحكومة السابقة لتداعيات جائحة كورونا باتجاه وقف العديد من العلاوات التي يستحقها العاملون في القطاع العام، والسماح للقطاع الخاص بتخفيض أجور العاملين الى مستويات تصل الى خمسين بالمائة، الأمر الذي أضعف بشكل كبير القدرات الشرائية للغالبية الكبيرة من العاملين بأجر.
وتعزيز الطلب المحلي يتطلب أيضا من الحكومة الحالية التفكير بتفعيل تأمين التعطل عن العمل في إطار منظومة الضمان الاجتماعي الذي تم تجميده منذ بداية الأزمة من خلال بعض أوامر الدفاع، وتقديم دعم حكومي لهذا الصندوق بعد أن تم استنزافه في نهاية العام الماضي لغايات بعيدة كل البعد عن الغايات التي أنشئ من أجلها.
وعلى الحكومة التفكير كذلك بتوفير مخصصات لدعم للعاملين غير المشمولين في منظومة الضمان الاجتماعي بحيث تكون مجدية وشاملة، تمكنهم من الحفاظ على قدراتهم الشرائية، ما يعزز، بدوره، الطلب المحلي.
في ظل التوقعات بعدم إمكانية القضاء على جائحة “كورونا” على المدى المنظور، واستمرار تهديداته لحياة المواطنين والنظام الصحي الأردني، وتلميحات مصادر حكومة الى احتمالية عالية لتطبيق إغلاقات اقتصادية لفترات زمنية طويلة، لا خيارات لدينا في الأردن سوى مراجعة سياسات الاستجابة التي تم اعتمادها منذ منتصف آذار (مارس) الماضي، والتوجه نحو تقديم الدعم والمساعدة للمتضررين سواء كانوا أفرادا أو مؤسسات، وخلاف ذلك سيدفع مواطنونا واقتصادنا أثمانا باهظة، لن نقوى على معالجتها بسهولة.