صدى الشعب – راكان الخريشا
قال النائب، زهير الخشمان، إن السؤال الحقيقي الذي يجب أن يُطرح قبل الغوص في أرقام الموازنة هو، هل تصنع هذه الموازنة مستقبل الأردن، أم تكتفي بإدارة حاضر يزداد تعقيدًا، مؤكّدًا أن الوثيقة المالية المعروضة اليوم تمثّل إدارة للالتزامات أكثر مما تُشكّل تحولًا اقتصاديًا.
وأوضح الخشمان أن العجز البالغ 2.125 مليار دينار ليس جوهر المشكلة، بل طريقة تمويله بالاقتراض، الأمر الذي سيدفع بالدين العام إلى حدود 50 مليار دينار بحلول نهاية عام 2026، أما الأخطر من حجم الدين، في رأيه، فهو كلفته، إذ تستهلك فوائد الدين وحدها 2.26 مليار دينار، أي ما نسبته 22 قرشًا من كل دينار إيرادات محلية، وهي نسبة تتجاوز المتوسط العالمي بسبع نقاط مئوية، وقال نحن نتدين لنسدد دينًا وليس لبناء اقتصاد منتج.
وفي محور النفقات الرأسمالية، أشار الخشمان إلى أن الموازنة خصصت 1.6 مليار دينار لهذا البند، غير أن المشاريع الجديدة التي يمكن أن تُحدِث فرقًا فعليًا لا تتجاوز 144 مليون دينار، وهو رقم لا يمكن أن يخفض بطالة أو يُحدث نموًا حقيقيًا أو يوفر فرص عمل، وتساءل كيف نصل إلى نمو بـ5.6% وفق رؤية التحديث الاقتصادي، بينما لا يتجاوز النمو الفعلي 2.8%، ولا نتوقع تجاوز 3% خلال السنوات المقبلة،
وأضاف الخشمان أن الاعتماد المفرط على الضرائب ما يزال سمة ثابتة في المالية العامة، إذ تشكّل الضرائب 75% من الإيرادات المحلية، مقارنة بمتوسط عالمي لا يتجاوز 57%، ما يعني حسب قوله أن جيب المواطن والقطاع الخاص ما يزالان الخزان الأساسي لسد الفجوات، بدل الاعتماد على الإنتاج والاستثمار والتصدير.
ولفت الخشمان إلى أن المشكلة ليست في الأرقام، بل في غياب الأثر على أرض الواقع، مستشهدًا بحكايات من مناطق تعاني التهميش، مثل أطفال الحلابات الذين يقطعون ثلاثة كيلومترات سيرًا للوصول إلى مدرسة بديلة، ومرضى الصفاوي الذين يبعد أقرب مستشفى عنهم 90 كيلومترًا، في ظل مركز صحي غير مؤهّل وكادر طبي محدود، وقال هذه قضايا لا تحتاج إلى موازنة بل إلى قرار.
وتوقف الخشمان عند مخصصات المحافظات الرأسمالية التي لا تتجاوز 100 مليون دينار للمملكة كلها، معتبرًا أنّ هذا الرقم لا يمكن أن يصنع مشروعًا كبيرًا واحدًا، ولا أن يحول المحافظات من حالة انتظار إلى حالة إنتاج، وأشار إلى غياب دراسات وطنية حقيقية تُظهر الميزة التنافسية لكل محافظة، ما يجعل المشاريع تُبنى على الانطباعات لا على البيانات.
كما انتقد الخشمان التشظّي الذي يعانيه قطاع النقل نتيجة تعدد القوانين والأنظمة وتداخل الصلاحيات بين الوزارات والهيئات والأمانة والبلديات وسلطة العقبة، معتبرًا أن وزارة النقل مفرّغة من دورها الطبيعي.
وفي رسالة مباشرة إلى الحكومة، قال الخشمان إن المشكلة الأساسية ليست في اتخاذ القرارات، بل في التراجع عنها أمام الضغوط البيروقراطية، مؤكدًا أن أي حكومة ستفشل في تحقيق الإصلاح إذا بقيت أسيرة النهج التقليدي وإدارة اليوميات، ودعا إلى التحول نحو اقتصاد حرّ حقيقي، وتخفيض الضرائب، وتحفيز الاستثمار، وبناء شراكة فعلية مع القطاع الخاص لا مجرد شراكة شكلية.
وختم مداخلته أن مستقبل الأردن لا يبدأ بالأرقام بل بإعادة تأسيس طريقة إدارة الدولة على قواعد واضحة، والمطلوب من الحكومة أن تؤمن بما كتبته هي في خططها وأوراقها، وأن تترجمه إلى قرارات لا تتراجع عنها.






