الشوشان: التشريعات الحالية غير رادعة والضبط ما يزال ضعيفاً
صدى الشعب – سليمان أبو خرمة
يشهد ملف الاعتداءات على الغابات في الأردن حضورًا متجددًا في المشهد البيئي مع تكرار حوادث تقطيع الأشجار في عدد من المحافظات، رغم الإجراءات الرقابية التي تعمل عليها الجهات المختصة.
وبالرغم أن مساحة الغابات تنخفض من إجمالي مساحة المملكة، إلا أن وتيرة الإعتداءات ما تزال تطرح أسئلة واسعة حول أسبابها، وآليات الحدّ منها، والجهود المبذولة لحماية ما تبقى من الغطاء الحرجي.
وبين الحين والاخر تعلن الأجهزة الرقابية عن ضبط كميات من الحطب المقطوع ووقف الاعتداءات في مواقع متفرقة، تبرز تحديات متعلقة بارتفاع الطلب على الحطب خلال موسم الشتاء، وتوسع بعض الممارسات الفردية أو المنظمة التي تتجه لقطع الأشجار بطرق مخالفة للقانون، والاستغلال التجاري والبيع غير المصرح به.
وفي هذا السياق، أكد المتخصص في سياسات البيئة والمناخ عمر الشوشان أن القطاع الحرجـي في الأردن يشكّل أحد أكثر الموارد الطبيعية هشاشة، نظراً لمحدودية مساحته التي تنخفض إلى “أقل من 1%” من مساحة المملكة، في وقتٍ تتزايد فيه عمليات التقطيع والحرائق خلال السنوات الأخيرة، رغم ما تبذله الجهات الرسمية والمجتمعية من جهود لحماية هذا المورد البيئي النادر.
وقال الشوشان خلال حديثه لـ”صدى الشعب” إن الضغوط السكانية والمناخية والاقتصادية المتصاعدة تجعل الحاجة ملحّة لإعادة تقييم منظومة حماية الغابات والتشريعات المرتبطة بها وآليات إدارتها، مشيراً إلى أن القطاع الحرجي يقف اليوم أمام تحديات غير مسبوقة، قد تنعكس على قدرة المملكة على الحفاظ على توازنها البيئي في العقود المقبلة.
وأوضح أن الخسارة البيئية الناتجة عن تقطيع الأشجار لا تتوقف عند فقدان أشجار منفردة، بل تعني عملياً فقدان نظم إيكولوجية كاملة تعتمد عليها النباتات والحيوانات المحلية.
ةأشار إلى أن إزالة مساحات صغيرة نسبياً تنعكس بشكل مباشر على التنوع الحيوي والتوازن البيئي، وتتسبب بتدهور التربة وتراجع قدرتها على الاحتفاظ بالرطوبة، وزيادة معدلات الانجراف، الأمر الذي يقلّل من صمود النظام البيئي أمام الجفاف والحرائق.
وأشار إلى أن المشهد المتعلق بتجارة الحطب يكشف عن وجود حالتين رئيسيتين؛ الأولى تقطيع فردي بدافع الحاجة المنزلية، والثانية ترتبط بـ”جريمة بيئية منظمة” تعتمد على شبكات للنقل والتخزين والتسويق.
وبيّن أن التمييز بين النوعين يتم من خلال حجم الكميات وتكرار النشاط ووجود وسطاء وشاحنات ونقاط بيع ثابتة، مؤكداً أن التعامل مع هذا الملف يتطلب منظومة تحقيق بيئي متخصصة قادرة على تتبّع سلسلة التوريد والكشف عن الشبكات الفاعلة.
وأضاف أن تراجع الغطاء الحرجي في الأردن ينعكس بشكل مباشر على المناخ المحلي، فالأشجار تسهم في تخفيض درجات الحرارة، بينما يؤدي غيابها إلى ارتفاع حرارة المناطق الحرجية وزيادة حدة ظاهرة “الجزر الحرارية”.
وأشار إلى أن تراجع المناطق الحرجية يؤثر على قدرة التربة في امتصاص مياه الأمطار، ما يحدّ من عملية إعادة تغذية المياه الجوفية ويؤثر على انتظام الهطول المطري على المدى البعيد.
ولفت إلى أن التشريعات الحالية، رغم ما تتضمنه من عقوبات على الاعتداء على الغابات، لا تزال فعاليتها محدودة، بسبب ضعف الردع وطول مدة التقاضي وصعوبة ضبط الجناة في بعض المناطق.
وقال إن هذا الواقع يجعل تعديل المنظومة التشريعية أمراً ضرورياً، عبر تشديد العقوبات المالية والجزائية، وتطوير وحدات شرطة بيئية متخصصة، ورفع كفاءة أنظمة المراقبة.
وفي ما يتعلق بتصاعد الحرائق والتقطيع في بؤر محددة، قال إن ذلك يعود إلى عوامل مناخية، مثل الجفاف وارتفاع درجات الحرارة، إضافة إلى عوامل بشرية تشمل الرعي الجائر وإشعال النار دون رقابة، وأحياناً دوافع متعمدة مرتبطة بتجارة الحطب.
وشدد على أن هذا الوضع يستدعي تحديد “بؤر بيئية حرجة” ذات أولوية عالية للحماية والرقابة المكثفة.
وأكد على أن التشجير وحده لا يمكن أن يعوّض الفاقد من الغابات ما لم يترافق مع حماية فعّالة ومنع الضغوط، مبيناً أن “التعافي الطبيعي المساعد” يعد من أكثر الأساليب نجاحاً، إلى جانب التشجير بالأنواع المحلية وتحسين التربة والمتابعة طويلة الأمد.
وأضاف أن بناء شراكة حقيقية بين الدولة والمجتمع المدني والمجتمعات المحلية يشكّل السبيل لضمان استعادة الغابات واستدامتها.






