لا أحد يريد بث السلبية في الأردن، لكننا في الوقت ذاته، لا نريد التورط في المبالغات، لان السلبية من جهة، والمبالغة الإيجابية من جهة ثانية، يتساويان من حيث الكلفة، أي التسبب بخيبة أمل نهاية المطاف، لقطاعات حيوية.
قرأت تقريراً مهماً للزميلة هبة العيساوي نشرته صحيفة الغد بعنوان ” كيف للاقتصاد أن ينمو 2.5 % ” وهذه النسبة وردت من الحكومة، وتحديدا من وزارة المالية للعام المقبل 2021، وكثير من المراقبين الاقتصاديين توقفوا عند النسبة، ومدى دقتها، خصوصا، في ظل الأوضاع الاقتصادية الحالية، وواقع الحال الذي نراه على مستوى عشرات القطاعات المغلقة، كليا، أو المتضررة، جزئيا، وحتى تراجع تحصيلات الحكومة المالية ، وشح السيولة، حتى بإقرار رئيس الوزراء، بسبب توقف هذه القطاعات، ثم حالة التعثر التي تواجهها ذات القطاعات في دفع التزاماتها لبقية القطاعات، أو للجهات الرسمية.
يكفي دلالة على ذلك، تراجع فاتورة الأردن النفطية، بما يعنيه ذلك من تراجع الضرائب التي تجمعها الحكومة من جهة، وتراجع النشاط الاقتصادي، بما ينعكس على استهلاك الوقود وبقية مشتقاته، التي تدخل في النشاطات الاقتصادية، الصناعية والتجارية، وغيرها من نشاطات، فاستهلاك الطاقة مؤشر أيضا على مجمل الحركة الاقتصادية داخل الأردن، مثلما ان أرقام الاستثمار والحوالات المالية من الخارج، وحيوية قطاعات مثل السياحة تؤثر على المشهد الاجمالي.
حين تقرأ تعليقات وزراء سابقين، في التقرير، لا يمكن ان نعتبر ان تعليقاتهم مجرد ثأر لكونهم خارج المؤسسة الرسمية، أو بلا مواقع حكومية، خصوصا، ان تقرير ” الغد” استند الى فكرة جوهرية تسأل سؤالا محددا يقول ” كيف يمكن للاقتصاد الوطني أن يحقق نموا بنسبة 2.5 % خلال العام الذي يلي عام “كورونا”، أي العام 2021 بينما كان في العام الذي سبقه 2019، قبل كورونا، قد حقق نسبة نمو أقل بلغت حينها 1.9 %”.
والسؤال هنا، مهم للغاية، والغريب ان الحكومة لا تخرج لتوضح الكيفية التي وصلت عبرها الى هكذا رقم، خصوصا، وإشاعة التفاؤل بشكل مبالغ فيه، يترك اثرا غير حميد، وإذا كانت الغاية من هذه الأرقام اظهار الثقة، والتفاؤل، وبث الطمأنينة، وتصنيع جو إيجابي للخروج من تأثيرات الوباء، فهذا أمر جيد، لكن عدم ثبوت دقته لاحقا، أمر تترتب عليه مسؤولية.
يقول وزير الدولة لشؤون الاستثمار الأسبق مهند شحادة في التقرير المنشور في ” الغد”.. ” لا بد أن نتساءل هل 2.5 % معدل نمو كاف لتوفير بيئة اقتصادية يكون لها أثر إيجابي على عجلة الاقتصاد، ويشعر بها المواطن وتحسن إيرادات الحكومة، اذ قبل الجائحة، حقق الاقتصاد وبصعوبة نسبة نمو 1.9 %، والعام الحالي لدينا انكماش بنحو 3 %، وبالتأكيد الانكماش سيستمر على الأقل حتى الربع الأول من العام المقبل مع تبعات كورونا”.
ومثله يقول وزير الاقتصاد الأسبق سامر الطويل في تقرير ” الغد”.. “في الأعوام التي سبقت كورونا لم نر نسبة نمو عالية وبالكاد حققنا 1.9 %، فكيف سنحرز نسبة النمو التي تتوقعها الحكومة في ظل استمرار الجائحة، وسيعاني الاقتصاد في الربع الأول من العام المقبل من استمرار الانكماش في ظل الجائحة وتبعات تأثيرها “.
كل تقديرات الدول ذات الاقتصادات القوية، وتقديرات بقية الدول، تتحدث عن العام 2021، باعتباره امتدادا للعام 2020، برغم الحديث عن اكتشاف لقاحات، خصوصا، ان لا أحد يعرف تحديدا متى ستعود كل القطاعات في العالم، للعودة الى العمل بشكل طبيعي، كما ان اضرار “كورونا” الاقتصادية على العالم خلال العام 2020، بحاجة الى وقت أطول ربما من العام 2021، حتى يتم الخروج منها.
ما نريده من الحكومة، التفرقة بين صناعة الإيجابية، وصناعة الأرقام، فالأولى حالة عاطفية، تنطبق على الأفراد وعلاقاتهم، والثانية حالة لا بد ان تتسم بالدقة الشديدة، والقدرة على قراءة المستقبل، وتحديد الاخطار، وادارتها.
ما يزال الوقت متاحا للحكومة، لتعديل أرقامها، وجعلها أكثر منطقية، وأحسب ان الرئيس لا تهمه المبالغات، وينزع الى التوسط، وتقدير الأمور بشكل يقبله الاقتصاديون، وعموم الناس أيضا، وبما يجعل الكل أمام مسؤولياتهم، ويضع أمامهم التحديات بشكل واضح، بدلا من بث الأمل بطريقة قد لا تثبت على أرض الواقع.