تكريم التميز الأكاديمي.. جامعة أبوظبي مثالاً

صدى الشعب – كتب – د.أشرف الراعي

كانت وستظل الجامعات مركز الإشعاع الفكري والمجتمعي، وحاضنة العقول التي تصنع المستقبل، لكن ما يميز الجامعة الحقيقية عن سواها ليس فقط برامجها الأكاديمية أو بناها التحتية، بل ثقافة التقدير التي تسود بين أروقتها.. بين الطالب وأستاذه، وبين المؤسسة وأفرادها؛ فحيثما يُكرَّم العلم ويُحتفى بالمعرفة، تنمو بيئة الإبداع، وتزدهر روح الانتماء والاحترام المتبادل.

دعم الطلبة وتشجيعهم على التميز العلمي مسؤولية تربوية، واستثمار استراتيجي في المستقبل؛ فالطالب الذي يشعر أن إنجازه مقدَّر، وأن جهده موضع اعتراف وتكريم، يصبح أكثر التزاماً بمساره الأكاديمي وأكثر وعياً بدوره المجتمعي؛ ذلك أن لحظة تسلّم الطالب جائزة تقدير، مهما كانت رمزية، يمكن أن تغيّر من نظرته إلى ذاته وإلى التعليم كله، لأنها تمنحه شعوراً بالجدوى والانتماء، وتفتح أمامه آفاقاً جديدة من الطموح.

وفي المقابل، فإن تكريم أعضاء هيئة التدريس ودعمهم مهنياً ومعنوياً هو أساس كل نهضة جامعية؛ فالأستاذ الجامعي ليس مجرد ناقل معرفة، بل هو مربي أجيال وصانع فكر، ودوره يتجاوز جدران القاعة إلى التأثير في القيم والسلوك؛ حين يشعر الأستاذ أن جهده البحثي والتعليمي موضع تقدير من جامعته، يتجدد عطاؤه، وتتضاعف مسؤوليته الأخلاقية تجاه طلابه ومجتمعه.

ولعل كلية القانون في جامعة أبوظبي تمثل مثالاً يُحتذى في هذا السياق؛ فقد جسدت من خلال يوم الجوائز السنوي 2025 نموذجاً متكاملاً للاحتفاء بالإنسان قبل الشهادات والألقاب، وفي ذلك اليوم، وقف الطالب بجانب أستاذه، وتلاقت نظرات الفخر والامتنان في مشهد يجسد عمق العلاقة بين المعرفة والإنسان، وبين الجامعة ورسالتها. لذا لم يكن الاحتفال مجرد مناسبة لتوزيع الدروع، بل كان إعلاناً عن ثقافة مؤسسية تؤمن بأن التكريم هو امتداد للتعليم، وأن الاحترام المتبادل هو الطريق إلى الريادة الأكاديمية.

كما أن تكريم أولياء الأمور والطلبة الذين قدّموا خدمات مميزة للكلية يُعد بادرة نبيلة تعكس عمق العلاقة بين الجامعة ومجتمعها؛ فالأهل هم الشركاء الحقيقيون في رحلة التعلم، إذ يزرعون في أبنائهم قيم الإصرار والانضباط، ويقدمون من دعمهم وجهدهم ما يعزز نجاحهم الأكاديمي، في حين يعكس الطلبة الذين يساهمون في خدمة الكلية روح الانتماء والعطاء التي تشكل جوهر العمل الجامعي.

إن هذا النوع من التكريم يُرسّخ مبدأ أن النجاح لا يتحقق بالفرد وحده، بل بمنظومة من الجهود المتكاملة بين البيت والجامعة، وهو اعتراف بأن التعاون والولاء للمؤسسة التعليمية هما الطريق نحو جامعة فاعلة ومجتمع أكاديمي مزدهر.

هذه المبادرة تمثل تجربة يمكن أن تلهم الجامعات العربية والعالمية لتكريس ثقافة التقدير في أنظمتها الأكاديمية؛ فالتعليم في جوهره علاقة إنسانية قائمة على الإيمان بقدرات الآخر، واحترام جهده، ومساندته في تحقيق طموحه، وحين تترسخ هذه المبادئ، تصبح الجامعة أكثر من مؤسسة تعليمية؛ تتحول إلى مجتمع فكري حي، يتشارك فيه الطلبة والأساتذة والإداريون في صناعة النجاح المشترك.

إننا بحاجة اليوم إلى إعادة تعريف التفوق الأكاديمي، ليس فقط باعتباره تحصيلاً علمياً، بل قيمة إنسانية تُبنى على الاحترام والتعاون والتحفيز.

ومن هنا، فإن تكريم الطلبة والأساتذة ليس مجرد مبادرة رمزية، بل ممارسة تربوية وأخلاقية تخلق ثقافة جامعة تحترم الإنسان وتحتفي بجهده، وتؤمن بأن التميز لا يولد صدفة، بل يُزرع في بيئة من التشجيع والتقدير المستمر.

إن كل تكريم صادق يفتح باباً لمستقبل أفضل، وكل جامعة تكرّس هذه الثقافة تكتب سطوراً جديدة في سجل التقدم؛ فالجوائز ليست غاية في ذاتها، بل وسيلة لترسيخ قيم عظيمة وهي الاحترام، والتفاني، والمسؤولية المشتركة نحو العلم والإنسان.