صدى الشعب _أ سيـل جمـال الطـراونـة
تُعد السنوات الأولى من حياة الطفل، وتحديدًا من الولادة وحتى سن السابعة، مرحلة محورية في تكوين شخصيته المستقبلية، فمن خلالها يتكون لدى الطفل الإحساس بالأمان، وتبدأ ملامح الثقة بالنفس بالتبلور، كما. تتطوّر قدرته على التواصل والتفاعل مع البيئة المحيط ومن هذا المنطلق، تؤكد المستشارة.
النفسية حنين البطوش أن أسلوب التربية الذي يتبعه الأهل يشكل عاملا رئيسيًا في تشكيل هذه السمات النفسية والاجتماعية، إذ أن التربية المتوازنة التي تمزج بين الحزم والحنان غالبًا ما تنتج أفرادًا واثقين بأنفسهم، قادرين على تحمل المسؤولية، ويتمتعون باستقلالية واضحة في شخصيتهم.
في المقابل، يحذر الخبراء من أن الأساليب التربوية القاسية أو المتسلطة قد تؤدي إلى نشوء شخصية خائفة، مترددة أو حتى متمردة.
أما الإهمال واللامبالاة، فمن شأنهما أن يزرعا شعورًا بعدم الاستحقاق، ويؤثرا سلبا على قدرة الطفل في بناء علاقات صحية وبالمثل، فإن الدلال الزائد قد يؤدي إلى بناء شخصية اتكالية تفتقر إلى القدرة على تحمل المسؤولية، وتعتمد على الآخرين في أبسط المواقف.
إضافة إلى ذلك، تشير البطوش إلى أن السنوات الأولى تشهد نموًا وتطورًا حاسمًا في بنية الدماغ
ووظائفه، ففي هذه المرحلة، تؤثر التجارب الحياتية لا سيما تلك المرتبطة بالتفاعل مع الأهل بشكل مباشر على نمو المناطقالدماغية المسؤولة عن التنظيم العاطفي،والتعاطف، والثقة بالنفس .
وبينما تُسهم التجارب الإيجابية مثل الحب، والرعاية، والشعور بالاستقرار في تعزيز هذا النمو، فإنه بالمقابل، قد تؤدي التجارب السلبية كالإهمال،
التعرض للإساءة لجسدية أو العاطفية أو الجنسية، أو العنف المنزلي إلى إعاقة النمو الطبيعي للدماغ وبالتالي، يظهر ذلك لاحقًا على شكل صعوبات في إدارة الانفعالات، وزيادة الحساسية تجاه التوتر، وضعف في الثقة وتكوين العلاقات ومن جانب آخر، يعتبر سلوك الوالدين نموذجًا أوليًا يتعلم منه الطفل من خلال الملاحظة والتقليد فعلى سبيل المثال، عندما يرى الطفل والديه يواجهون الضغوط بعصبية أو يتعاملون مع الخلافات من خلال العنف أو التجاهل، فإن ذلك يُسجل في ذاكرته كأسلوب طبيعي للتعامل وبالتالي، قد يعيد تمثيل هذه السلوكيات في حياته لاحقا دون وعي.
ولا يقتصر التأثير على التصرفات فقط، بل يمتد إلى الكلمات التي يسمعها الطفل باستمرار، فالكلمات الإيجابية مثل “أنت ذكي
أو” أنا أثق بك” تُعزز صورته الذاتية وتنمي ثقته نفسه.
في المقابل تؤدي الكلمات الجارحة أو المقارنات المتكررة مع الآخرين إلى زعزعة هذه الثقة، وتوليد مشاعر النقص والدونية، والتي قد ترافق الطفل مدى الحياة.
وفي سياق متصل، تتحدث البطوش عن نظرية التعلق (Attachment Theory) والتي تعد من أهم النظريات فهم العلاقات الإنسانية، إذ ترى هذه النظرية أن الرابطة الأولى بين الطفل ومقدم الرعاية الأساسي وغالبًا ما يكون أحد الوالدين تُشكّل الأساس الذي يُبنى عليه نمط العلاقات في المستقبل.
ففي حال تلقى الطفل رعاية ثابتة، حساسة، ومستجيبة لاحتياجاته، ينشأ لديه “تعلق آمن”، يُعزّز ثقته بنفسه، ويمنحه القدرة على إدارة مشاعره وبناء علاقات مستقرة.
أما إذا كانت الرعاية متذبذبة أو مهملة، فقد يتكون لدى الطفل نمط “تعلق غير آمن سواء كان قلقًا، تجنبيًا، أو مضطربًا. وهذا بدوره يؤدي لاحقا إلى صعوبات في الثقة، والخوف من التقارب، والقلق المستمر بشأن العلاقات.
وأخيرًا، تؤكد البطوش أن الحب غير المشروط يُحدث فرقا جوهريًا في بناء شخصية الطفل، فعندما يشعر الطفل بأنه محبوب كما هو، دون الحاجة لتحقيق إنجازات أو تلبية شروط معينة، ينمو بداخله شعور بالاستحقاق والرضا عن الذات، بينما إذا ارتبط الحب بالتفوق أو المثالية فقط،
فقد يتولد لدى الطفل شعور بأنه لا يُقبل إلا بشروط ، مما يجعله يسعى دائمًا لنيل رضا الآخرين على حساب راحته وثقته بنفسه.