قانون العمل خطوة للأمام وأخرى للخلف

يمكن القول إن التعديلات التي جرت على قانون العمل خلال السنوات الماضية، القليل منها كان اصلاحيا وتقدميا والكثير منها كان تراجعيا، ما ساهم في زيادة اختلالاته وفقدانه لفاعليته.
ولكي نخرج من هذه الدائرة المفرغة من التعديلات على هذا القانون الهام، ندعو الى إعادة بناء قانون العمل بشكل يحفظ حقوق طرفي العلاقة فيه من عمال وأصحاب أعمال، ويستند الى الحقوق والمبادئ الأساسية للعمل المتعارف عليها دوليا، التي تشكل الحدود الدنيا من معايير العمل.
وفي هذا السياق ندعو الحكومة بسحب التعديلات على قانون العمل التي قدمتها الحكومة السابقة، أسوة بعشرات القوانين التي سحبتها قبل أسبوعين، وفتح حوار واسع حول مختلف مواد القانون، ثم تحويله الى مجلس الأمة، اذ إن مجلس النواب غير قادر دستوريا على فتح هذا الحوار، لأن المواد المعروضة للتعديل محدودة.
نطالب بذلك، لأن قانون العمل يحتل مكانة مركزية بين التشريعات الناظمة لمختلف مناحي الحياة، فهي مرتبطة بحياة جميع الناشطين اقتصاديا في الأردن وأسرهم، سواء أكانوا عاملين أو أصحاب أعمال، أو عاملين مع أنفسهم.
ليس هذا فقط، وانما يعد القانون هو أحد أهم الأدوات لتحقيق التوازنات الاقتصادية والاجتماعية، من خلال بناء حالة من الاستقرار بين العاملين وأصحاب الأعمال في سوق العمل على أسس عادلة، وتوزيع منافع التنمية على مختلف مكونات المجتمع. وتمتد أهمية القانون الى أنه إحدى أدوات التحفيز الاقتصادي وتحقيق نمو اقتصادية شمولية تسهم في حل مشكلة البطالة.
التعديلات المنظورة حاليا أمام مجلس النواب لم تخرج عن إطار التعديلات السابقة، فهي خطوة الى الامام وخطوات الى الخلف، حيث تم تجريم التحرش الجنسي في المادة 29 من القانون، وإلغاء القيود على عمل المرأة حسب المادة 69، الا أن العديد من المواد الخاضعة للتعديل تفتح المجال للمزيد من الانتهاكات العمالية.
وهذا ما تم خلال الأعوام الماضية، اذ تمت إضافة مواد لمنع التمييز في الأجور بين الجنسين، وتعديلات على المادة 72 المتعلقة بالحضانات (ساهمت في تعقيد إمكانية تطبيقها)، مقابل حرمان الغالبية الكبيرة من العاملين من المفاوضة الجماعية، ومنحت وزير العمل صلاحية اصدار التصنيف المهني للقطاعات التي يجوز فيها انشاء نقابات، ومنحته صلاحية حل النقابات العمالية نقابات أصحاب الأعمال بقرار اداري، والمصادقة على أنظمتها الداخلية وغيرها من التعديلات التراجعية.
نؤكد أن قانون العمل بحاجة الى مراجعة شاملة تقوم على حوار واسع، ويعمل على تحقيق الاستقرار في علاقات العمل، ويدفع تجاه تقليل الفجوة بين حقوق العاملين في القطاع الخاص مقابل العاملين في القطاع العام، لأن استمرار هذه الفجوة سيحول دون تطبيق خطط الحكومة لتشغيل الشباب والشابات للعمل في القطاع الخاص، وسيبقى الاندفاع نحو العمل في القطاع العام بأي طريقة هدفا أساسيا لهم، حيث قاربت البطالة بينهم 45 بالمئة.
ندرك مخاوف القطاع الخاص من أن تحسين شروط العمل سيضع قيودا إضافية على أعمالهم، ونطالبهم بالعمل مع الحكومة للحصول على حوافز ضريبية، لأن الحوافز التي تكون على حساب حقوق العاملين ستسهم في اضعاف الاستقرار الاجتماعي ولن تخدم مصالحهم.

أخبار أخرى