صدى الشعب – كتب – د. عبد الكريم محسن أبو دلو
تعتبر وظيفة الحاكم الإداري، من الوظائف الأساسية والأصيلة بالمجتمع الأردني، كما أنها وظيفة قديمة، شأنها شأن مهنة المعلم والطبيب، خلافا للمهن والوظائف الأخرى التي ظهرت لاحقا مع تطور الدولة، كما تزخر الذاكرة الأردنية، بموروث شعبي كبير لهذه الوظيفة.
وإن فهم دور الحاكم الإداري في الفكر الاجتماعي الأردني، من خلال تتبعه التاريخي، يتبين مدى تأثره بالتحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وكيف تطور دور الحاكم الإداري من مجرد ممثل للسلطة المركزية إلى أن أصبح ركيزة أساسية في بناء الدولة وتحقيق متطلبات التنمية والتحديث.
لقد كان الحاكم الإداري، خلال فترة تأسيس الإمارة، يمثل امتدادا لسلطة الأمير ويرتبط برئيس النظار، يختص ببعض المهام الأساسية مثل حل النزاعات والشكاوى وتقديم الخدمات الأساسية، وإليه يرجع الأهالي في جميع معاملاتهم الرسمية، ويعتمد بشكل كبير بعمله على الأعراف والتقاليد السائدة.
وتعزز دور الحاكم الإداري في فترة ما بعد الاستقلال وتأسيس المملكة، كونه ممثل السلطة التنفيذية وعنصر أساسي في بناء مؤسسات الدولة وتثبيت أركانها، بالإضافة إلى دوره التقليدي في حفظ الأمن، وصمود وظيفته الاجتماعية قوية، كحلقة وصل بين المواطن والحكومة.
ومع دخول الدولة مرحلة التحديث، تغيرت بعض جوانب دور الحاكم الإداري، فإذ ظلت مهامه الأمنية والإدارية وقيادة الأجهزة التنفيذية قائمة مع تزايد تعقيداتها، وحافظ على دوره كـصمام أمان اجتماعي، خاصة في الأزمات والظروف الصعبة، ومرجع أساسي في القضايا التي تتطلب تدخلا حكوميا سريعا وحاسما، لكنه أصبح شريكا استراتيجيا في التنمية المحلية ومعنيا بالإشراف على المشاريع الحكومية وتعزيز اللامركزية ولعب دور مهم في مجال الاقتصاد والاستثمار وتولي مهام شمولية بمختلف المجالات وتقديم الخدمات.
ومـن ذلـك، لا ينظر الفضاء الاجتماعي الأردني إلى الحاكم الإداري بأنه مجرد موظف حكومي فقط، تسند إليه مهام وواجبات محددة، بل هو شخصية محورية فاعلة، تتجاوز المهام الإدارية والواجبات التقليدية، لتصل إلى عمق الوجدان الشعبي وتؤثر في تشكيل الوعي الاجتماعي.
فالحاكم الإداري، في الحالة الأردنية، يمثل حلقة ارتكازية فريدة، تجسد توازنا دقيقا بين مقتضيات فرض هيبة الدولة وسلطتها القانونية وبين متطلبات المجتمع وطبيعته الاجتماعية.
إن تحليل وظيفة الحاكم الإداري اجتماعيا، وفهم الاعتبارات المبنية على أنه ممثل الحكومة وسلطتها في الميدان والمسؤول عن تطبيق سياساتها والإشراف على الخدمات الأساسية وسيادة القانون، تجعل الحاكم الإداري ضامنًا للاستقرار وحفظ النظام وتحقيق العدالة وتكريس الوحدة الوطنية وحماية الحريات العامة، بشكل تتعزز من خلاله ثقة المواطنين بمؤسسات الدولة.
كما أن التفاعل الاجتماعي للحاكم الإداري، يعمق دوره كذلك كنقطة اتصال حيوية بين الحكومة والمواطنين، فهو يستقبل شكاوى المواطنين ومطالبهم، وينقل تطلعاتهم واحتياجاتهم إلى الحكومة المركزية، وبالمقابل يشرح لهم السياسات العامة والقرارات الحكومية، ويوضح الأوضاع والتحديات القائمة، بعملية تبادلية تسهم في بناء جسور الثقة وتقليل الفجوة بين الطرفين.
بالإضافة إلى أنه قائد تنموي يبني ويدير العمليات التنموية، ويعزز دور المواطن ومؤسسات المجتمع المدني في الإدارة المحلية.
كما تلمع الخصوصية الاجتماعية المهمة للحاكم الإداري، من اعتباره حارسا للمجتمع بقيمه السمحة وأعرافه وعاداته الأصيلة، المستمدة من دوره في المحافظة على النظام العام، فهو المعني بشكل أساس بحماية المجتمع ونظامه العام وإتخاذ التدابير الضرورية لمواجهة أي إعتداء على ذلك.
ولا يتوقف دور الحاكم الإداري عند هذا الحد، فطبيعة تكوينة المجتمع، الذي تلعب فيه العشائر بأعرافها وعاداتها دورا فاعلا، يظهر الحاكم الإداري شخصية اجتماعية بامتياز، يتوجب عليه فهم الثقافة العشائرية والخصوصية المحلية، والتعامل بحكمة مع المسائل المجتمعية، والمشاركة بالمناسبات الاجتماعية والدينية والوطنية، والاشتباك المباشر مع الحياة اليومية، وتتجلى الضرورة لبصيرة الحاكم الإداري في معالجة القضايا العشائرية والمناطقية وتطويق آثارها.
يمارس الحاكم الإداري ذلك كله، بتوازن عميق بين صلاحياته القانونية ونفوذه الاجتماعي، وبديناميكية تجعل الحاكم الإداري ليس منفذا للقانون فقط، بل أيضا وسيطا اجتماعيا يسعى لتعزيز التماسك المجتمعي والحفاظ على السلم الأهلي، بشكل تتعمق فيه كثيرا القيمة الاجتماعية للحاكم الإداري، ويتجسد من خلاله معنى من معاني وزارة الداخليـة بوصفها وزارة سياديـة.






