صدى الشعب – كتب داود عمر داود
غالبية الناس فرحون بقرب حدوث التغيير في سوريا، لكن يُبدي البعض تشاؤماً حيال ما ستأتي به الأيام بعد التغيير، بناء على تجارب اخرى ضمن ما سُمي بـ “الربيع العربي”، لمّا جرى استبدال نظام بنظام آخر أسوأ. حتى أنه من شدة تشاؤم البعض، كتب صديق إعلامي يقول “راحت سوريا مثل ما راحت العراق ولبنان وباقي الدول العربية”.
تحرر وطني من “استعمار فارسي إيراني”:
فهل هذا التشاؤم في محله؟ أقول إن مع المتشائم بعض الحق بالاستناد الى تجارب سابقة فاشلة، لكن ليس الحق كله. فالمسألة في سوريا ليست استبدال نظام فاشلٍ بنظامٍ آخر على أمل أن يكون ناجحاً. بل ان الأمر هو التخلص من هيمنة استعمار جاثم على صدور الناس، هو “الاستعمار الفارسي الإيراني”. فالموضوع إذن هو موضوع تحرر وطني وليس فقط تغيير نظام.
“تصدير الثورة”:
فالمأساة التي تعرض لها الهلال الخصيب، بلاد الشام وبلاد الرافدين، خلال العقود القليلة الماضية، أكبر من أن يخلصنا منها إسقاط نظامِ حكمٍ مستبد، بل سيستغرق الأمر عقودا حتى تتعافى المنطقة ومجتمعاتها مما تعرضت له جراء “تصدير الثورة” الخمينية.
لقد وقف العراق سداً منيعاً حال دون التوسع الإيراني على حساب بلاد العرب والمسلمين، لمدة 24 عاماً، منذ قيام ثورة الخميني عام 1979 ولغاية الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003.
التؤاطو الأمريكي مع إيران:
ولم يعد خافياً أن الولايات المتحدة هي التي جاءت بالخميني حاكماً لإيران، في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر، الذي تولى مندوبه العسكري وضع شاه إيران على الطائرة وطرده خارج البلاد.
ولم يعد خافياً كذلك أن الولايات المتحدة هي التي فتحت “البوابة الشرقية” للوطن العربي، على مصراعيها، أمام إيران كي تتوسع على حساب العرب والمسلمين، وذلك في عهد الرئيس جورج بوش الابن.
كما لم يعد خافياً أن الفترة الذهبية التي سرح ومرح فيها ملالي طهران في بلادنا كانت في عهد صديقهم الحميم الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما.
ما بين استعمارين: قديم وجديد:
كان العرب والمسلمون، في السابق، مشغولين في التفكير بكيفية الحصول على “استقلالهم” من الدول الأوروبية المستعمرة، وفي كيفية تحرير فلسطين. والآن أصبح شغلهم الشاغل التفكير في كيفية التحرر من “الاستعمار الفارسي الإيراني”. أما أهلنا في الخليج فالهاجس الأكبر لديهم التفكير في كيفية تجنب هذا الاستعمار اللعين.
فالعرب والمسلمون قسمان: قسم يحاول جاهداً، وبشتى الطرق، تجنب الوقوع تحت هيمنة “الاستعمار الفارسي الإيراني”، كما هو الحال في الخليج العربي. وقسم يسعى إلى التخلص من هذا الاستعمار، كما حال أهلنا في سوريا والعراق ولبنان واليمن.
التحرر من الاستعمار الجديد:
ونقول لأي متشائم حيال الثورة السورية إن مجرد محاولة التحرر من الاستعمار الجديد، المتمثل في “الاستعمار الفارسي الإيراني”، تستحق كل التضحيات، مهما كانت النتيجة. فالاستعمار الجديد جاء ليستحوذ على الثروات ويضرب عقيدة الناس، ويغير دينهم، عن طريق التشيع، ويغير التركيبة السكانية في البلاد التي يهيمن عليها، وهو أخطر بكثير من الاستعمار القديم.
فالاستعمار القديم كان هدفه الاستحواذ على الثروات، ونهب وسلب وسرقة الخيرات، وما زال، لكنه لم يكن هدفه تغيير عقيدة الناس، والعبث بالتركيبة السكانية، باستثناء ما حدث في فلسطين.
الاقتصاد:
مع التحرر من المد الفارسي الإيراني ربما، على الأقل، سيصبح بمقدور الإنسان في سوريا أن يحصل على لقمة عيشه ويعيش بكرامة، في بلد غني بالثروات، في كل شيء، بلا استثناء. كما أن أهل سوريا من أمهر الشعوب في التجارة والصناعة، ومع تحررهم من الاستعمار الجديد ربما تسترد البلاد عافيتها وتتطور اقتصاديا. فيعود لسوريا وضعها السابق حينما كانت مكتفية ذاتيا في كل شيء، وبدون ديون خارجية، ولديها فائض إنتاج في محاصيل القمح والقطن، وغيرهما من الخيرات التي أنعم الله بها على الناس. ولمعرفة أهمية ما تنتجه سوريا فإنه تاريخياً كان القمح من سهل حوران لوحده يُطعم الإمبراطورية الرومانية بأكملها.
التركيبة السكانية:
ولمّا تتحرر سوريا من استعمار وهيمنة الملالي، ربما يجري معالجة اختلال التركيبة السكانية التي عبث بها المستعمرون الجدد. حيث تتاح الفرصة لعودة ملايين السوريين إلى ديارهم، الذين هجّرهم النظام، وانتشروا كلاجئين في أصقاع الدنيا. وهم الذين حل محلهم مستوطنون من الفرس والمجوس والغرباء وشذاذ الآفاق، تماماً مثلما فعل المجرمون في فلسطين.
خلاصة القول: الأرض الطاهرة تتحرر من رجس الفرس:
يحتفل أهلنا في سوريا سنوياً بما يسمونه “عيد الجلاء”، وهو ذكرى رحيل آخر جندي فرنسي عن الأراضي السورية في 17 نيسان / أبريل 1946. وقريباً سيكون احتفالهم بـ “عيد جلاء” جديد آخر، يمثل ذكرى مغادرة آخر “جندي فارسي إيراني” لأرض سوريا الطاهرة.
ونقول “أرض طاهرة” لأننا لا ننسى ما كنا نسمع من كبار السن والقدر من إخوتنا المهاجرين من الشركس والشيشان، الذي فروا مشياً الى هذه البلاد هرباً من اضطهاد روسيا القيصرية، كانوا يخلعون نعالهم أول ما تطأ أقدامهم أرض “الشام” لأنها أرض طاهرة. وما دامت كذلك فيجب أن لا تدوسها أقدام نجسة بعد اليوم.