أي مصالحة خليجية ستتحقق؟

الأزمة الخليجية هي في الأساس خلافات أنظمة لا شعوب، وتجاوزها يعني الكثير لدول المنطقة وأهلها. نعم هي مصلحة قومية ووطنية على حد سواء، لأن الاشتباك المستعر على مختلف الجبهات بين قطر من جهة والسعودية والإمارات والبحرين من جهة أخرى، عمق جراح الأمة وضرب منظومة العمل العربي المهترئة أصلا في مقتل.
بذلت دولة الكويت وقيادتها جهودا عظيمة لفك النشب بين قيادات الدول الأربعة، ورغم استمرار الأزمة واستعصائها، لم يتوقف أمير الكويت الراحل والأمير الحالي عن مواصلة مساعيهما للتوصل لاتفاق يطوي صفحة الخلاف.
قبل أيام أعلن مستشار الرئيس الأميركي وصهره جاريد كوشنر عن جولة مكوكية في دول الخليج العربي بهدف حل الأزمة. بدا هذا التطور غريبا بالفعل، فكوشنر وسيده ترامب في طريقهما لمغادرة البيت الأبيض بعد خسارة الانتخابات الرئاسية، وهما من الناحية السياسية والشخصية في أسوأ حالة، وفي البال قلق من ملاحقات قضائية بعد تولي الديمقراطي جو بايدن السلطة. فما الذي يدفع بكوشنير للاهتمام بأمر الخليج وأزمته بينما يستعد لمواجهة أسوأ أيامه بعد الخروج من البيت الأبيض؟
تبرز هنا مسألة إيران وحرص إدارة ترامب على خدمة المصالح الإسرائيلية في حشد الدعم الخليجي ضد أي تحول محتمل في الموقف الأميركي بعد فوز بايدن.
دول الخليج لديها تعريف مشترك تقريبا للخطر الإيراني ولا تحتاج لما يحدد لها الخطوات التالية، لكن كوشنير، الخادم المطيع لنتنياهو وإسرائيل يسعى لفرض مقاربته للصراع مع إيران، وعمادها أن التحالف مع إسرائيل، هو الضمانة لإبعاد خطر إيران. ومن هنا يغدو التطبيع المتبادل للعلاقات الخليجية الإسرائيلية المدخل الأساس لتحقيق الغايات المشتركة.
هذا هو التعريف الأميركي للمصالحة وسواه من كلام عن مصالح شعوب الدول الخليجية ودولها ليس له معنى أو قيمة عند فريق ترامب.
لكن ثمة عقبات كبرى تعترض هذا المسار، فالمملكة العربية السعودية وعلى لسان وزير خارجيتها أعلنت مرارا أن التطبيع مع إسرائيل غير وارد قبل قيام الدولة الفلسطينية المستقلة. قبل يومين فقط أعاد الوزير تأكيد هذا الموقف.
قطر أعلنت مبكرا ذات الموقف تقريبا، وربطت علاقاتها الرسمية مع إسرائيل بنيل الشعب الفلسطيني لحقوقه.
صحيح أن هناك اتصالات إسرائيلية مع هذه الدول، لكن التطبيع مستبعد تماما قبل التسوية السياسية للقضية الفلسطينية.
والكويت راعية المصالحة الخليجية غير مستعدة إطلاقا لعلاقات مع إسرائيل قبل أن تتحقق وعود السلام.
إزاء هذا الوضع، هل نشهد مصالحة خليجية تتجاوز التعريف الأميركي وتلتزم بالمبادئ والمصالح العربية؟
نحن في الحقيقة أمام مشروعين للمصالحة، المشروع الكويتي الذي يربط المصالحة بالأهداف الحيوية والوطنية لدول مجلس التعاون، ومشروع كوشنير ونتنياهو الذي يربط المصالحة بالتطبيع مع إسرائيل والانضمام لتحالف ضد إيران. فأي مسودة لاتفاق مصالحة ستكون جاهزة للتوقيع في قادم الأيام؟
الكويت راعت بدبلوماسية رفيعة الدور الأميركي، لكنها حرصت على التأسيس لمفهومها الخاص للمصالحة ودعمتها في ذلك دول عربية عديدة من بينها الأردن، كما ساعدت المواقف السعودية والقطرية من قضية التطبيع على تظهير الوجه الخليجي لهذه المصالحة.
بهذا المعنى، هل يمكننا القول إن جولة كوشنير فشلت في تحقيق أهدافها أم أن هناك تفاهمات سرية لم تكشفها التصريحات العلنية؟
في الأنباء المتداولة حديث عن لقاءات رفيعة المستوى خلال أيام لحسم الأزمة، ولجان مشتركة لتسوية الملفات العالقة، سننتظر لنرى أي مصالحة يكتب لها النجاح في الخليج العربي.

أخبار أخرى