صدى الشعب – علّقت صحيفة “التايمز” على فوز دونالد ترامب بأنه تاريخي ومثير للإعجاب وشامل، حيث حقق ما لم يحققه أي زعيم جمهوري منذ جورج دبليو بوش، إذ فاز بأصوات المجمعات الانتخابية والأصوات الشعبية.
وفاز بأصوات السود واللاتينو وبقية الأقليات العرقية.
وأشارت الصحيفة، في افتتاحيتها، إلى أن من تعامل مع مسيرة ترامب السياسية، وخاصة من لم يحبوه، رأى فيها شذوذاً.
وأكد الهجوم على الكونغرس، في 6 كانون الثاني/يناير، رؤية الكثيرين عنه بأنه محرّض، ولا يستحق أهم منصب في العالم. وقالوا إنه مغامر متهوّر لن يتذكره التاريخ.
لكن هذا الاعتقاد، وخاصة بين الليبراليين الأمريكيين، انفجر في صباح الأربعاء، حيث منح الملايين من الأمريكيين من كل الألوان والأعراق أصواتهم له، وحصل على أكبر حصة من أصوات الأقليات العرقية لأي مرشح جمهوري في نصف القرن الماضي. وحسن من أدائه في 9 من كل عشر مقاطعات أمريكية، البالغ عددها 3,000 مقاطعة، وذلك منذ عام 2020.
وقالت الصحيفة إن “الترامبية” هي مزيج من المنبر الشعبوي الذي يعد بضرائب منخفضة، ونفقات حكومية متواضعة، ويشكّك في سياسات المناخ، ويدعم الحمائية للإنتاج المحلي وفرص العمل، وقد أصبحت اليوم أيديولوجية مهيمنة في أكثر دولة تأثيراً في العالم.
وأشارت إلى أن السر في انبعاث ترامب، مثل سابقه الذي خسر إعادة انتخابه، وفاز بعد 4 أعوام، غروفر كليفلاند، ليس من الصعب فهمه؛ فقد اجتذب الناخبين من خلال التركيز على جيوب الطبقة العاملة والنساء، التي أصبحت فارغة بسبب التضخم الذي تبع وباء كورونا.
ورغم استعادة الاقتصاد الأمريكي عافيته والسيطرة على التضخم وازدياد النمو، إلا أن الطبقة العاملة ظلت تعاني من زيادة الأسعار: البيوت والفواتير والنفط، رغم أنه انخفض إلى مستوياته الدنيا في عام 2022. ومع ذلك، زاد بنسبة 20% منذ وصول بايدن إلى البيت الأبيض عام 2020. ولم يساعد هذا كامالا هاريس التي اضطرت إلى الترشح في مرحلة متأخرة من السباق الرئاسي.
وكان عناد بايدن ومن حوله في الاعتراف بأنه ليس مؤهلاً للمضي في السباق قد أدّى إلى خسارتها. إلا أن الحزب الديمقراطي لم يفهم الواقع، فمثل حزبها، فشلت هاريس في فهم أن الهوية العرقية لم تعد عاملاً ساحقاً في الانتماء الحزبي، وأن الناخبين اللاتينو والسود كانوا يبحثون عن السياسات التي تخدم مصالحهم أينما كانت.
وفي حين كان أداء هاريس جيداً بما فيه الكفاية مع الخريجين والمشاهير الذين وصفتهم الصحيفة بالسذّج، فإن الدعم لها بين أولئك الذين ليس لديهم درجة علمية كان 37% فقط.
كما فشلت في فهم أن الناخبين من الأقليات العرقية لم يكونوا معادين تلقائياً لوعد ترامب بجمع المهاجرين غير الشرعيين وترحيلهم بشكل جماعي.
كانت الزيادة الهائلة في الدخول غير القانوني إلى الولايات المتحدة خلال سنوات بايدن مصدر إحباط لجميع الأمريكيين.
إن تأكيد هاريس على أنه لا يوجد شيء يمكن أن تغيره من عصر بايدن أكد فقط أنها مرشحة مؤقتة ليست لديها فلسفة شخصية.
وقالت الصحيفة إن فشل الديمقراطيين في فهم أن مصالح الطبقة العاملة ليست بالضرورة متوافقة مع مصالح النخبة الليبرالية، وأن الانفصال بين الاثنين يغذي الشعبوية على جانبي الأطلسي، كان واضحاً أيضاً في محاولتها الفاشلة، والمبالغ فيها، لتخويف الناخبين ودفعهم إلى رفض ترامب من خلال وصفه بالفاشي.
وبقيامها بذلك، فشلت هي وأعضاء آخرون في المؤسسة بواشنطن في فهم أن أولئك الذين يفكّرون في التصويت له لم يهتموا كثيراً بالجوانب الأكثر غرابة في شخصيته، وخلصوا إلى أنه رغم أن سلوكه كان متقلباً، فإنه لا يؤشر لتصرفات ديكتاتور قيد الصناعة.
لقد تبين، في كثير من الأحيان، أن نباح ترامب أسوأ من عضته. وبطبيعة الحال، قد تكون هذه العضة أقوى في المرة الثانية إذا استبدل النفوذ المقيد للمستشارين الجمهوريين المعروفين بمشورة الموالين المتطرفين. وهذا أمر مثير للقلق. وسيكون من الحماقة تجاهل غرائز ترامب وتهوّره.
كما يتمتع ترامب بميزة رئاسية أخرى: كونه أول مجرم يسكن في البيت الأبيض.
وقد تحدث كثيراً عن تصفية الحسابات، وألمح بشكل قاتم إلى ما يريد أن يحدث لمعارضيه.
ولا تزال سلسلة الملاحقات القضائية المرفوعة ضده تنتظر البتّ بها، والطريقة التي سيتعامل معها قد تجهد دستور أمريكا.
ويمثّل وعدُه بخفض الضرائب وكبح الإنفاق الفيدرالي عودة إلى الأفكار التقدمية المدفونة منذ جيل. كما أن شغف ترامب بالرسوم الجمركية كأداة لتجديد الصناعة الأمريكية هو الأكثر إثارة للقلق.
الواقع أن ترامب يهدّد بفرض معدل 60% على الواردات من الصين، و20% على بقية العالم.
وحتى لو تم تنفيذ ذلك جزئياً فقط (التهديدات المبالغ فيها هي جزء من أسلوب التفاوض الذي ينتهجه ترامب)، فإنها قد تصيب الاقتصاد العالمي بنوبة قلبية.
وبجانب طريقة ترامب في التعامل مع التجارة، يضاف إليها احتقاره للسياسة الخارجية الأمريكية القائمة على التحالف. وباتت حكومات حلف شمال الأطلسي الأوروبية متقبّلة لعودة رجل يشكّك علناً في قيمة الناتو، ويهدّد بالتخلي عن الأعضاء الذين لا ينفقون كثيراً.
وستتركّز أغلب المخاوف على أوكرانيا، ورغبة ترامب المعلنة في رؤية حربها مع روسيا تنتهي بسرعة، من خلال اتفاق مع فلاديمير بوتين. وما يثير الخوف أن يكون هذا على حساب تنازلات من كييف، ما يضفي الشرعية على غزو عام 2020.
وإذا كان ينظر إلى روسيا على أنها نجحت في أوكرانيا، فسيعطي ذلك الضوء الأخضر للأنظمة الاستبدادية الأخرى للقيام بما فعلته روسيا.
وقد تسعى الصين، الغاضبة من سقف التعرفات الجمركية الذي سيفرضه ترامب، إلى الانتقام بشن هجوم على تايوان.
وعلى الجانب الإيجابي، هناك نهج ترامب الصارم في التعامل مع الأعداء، إذا ما استفز بشكل كاف. وستكون رسالة لكل القادة الأشرار في كل مكان- إيران، انتبهوا، للرجل الذي لا يمكن التنبؤ بتصرفاته في البيت الأبيض.