عقل لــ”صدى الشعب”: تبني برنامج وطني للتحويل يعزز مكانة الأردن الطاقي المستدام
صادق: الغاز الطبيعي يلعب دوراً محورياً في دعم الاقتصاد الوطني
صدى الشعب- سيف الدين القومان
يشكل افتتاح أولى محطات تعبئة للغاز الطبيعي المضغوط للمركبات في الأردن، أهمية خاصة مع ارتفاع أسعار المشتقات النفطية، وكذلك الأثر البيئي، حيث أن التحول إلى الغاز يقلل من نسبة التلوث وخفض انبعاث ثاني أكسيد الكربون.
وقال الخبير في قطاع الطاقة والثروة والمعادن، هاشم عقل، إن الارتفاع المتواصل في أسعار المشتقات النفطية، باتت مسألة البحث عن بدائل وقود أقل تكلفة وأكثر صداقة للبيئة ضرورة وطنية ملحّة، وليس مجرد خيار، من بين أبرز هذه البدائل يبرز الغاز الطبيعي المضغوط (CNG) أو الغاز المسال (LPG)، الذي نجحت عدة دول في العالم في اعتماده كوقود للسيارات، الأمر الذي يطرح تساؤلات جادة حول إمكانية تطبيق التجربة في الأردن، وجدواها الاقتصادية والبيئية.
فوائد اقتصادية مباشرة
وقال عقل، يعد الغاز الطبيعي وقودًا أقل كلفة مقارنة مع البنزين أو الديزل؛ إذ تشير الدراسات إلى أن سعره قد يقل بنسبة تصل إلى 50% عن سعر لتر البنزين، هذا يعني أن السائق الذي ينفق 200 دينار شهريًا على البنزين يمكن أن يخفض الفاتورة إلى نحو 100–120 دينارًا بعد التحويل، وهو مبلغ كبير إذا ما حسب على مستوى آلاف المركبات في البلاد.
كما، انه سيؤدي إلى تراجع المستوردات النفطية والبنزين والديزل الذي يوفر الملايين على خزينة الدولة، إضافة إلى ذلك، فإن احتراق الغاز يتميز بالنظافة، ما يقلل من ترسب الكربون داخل المحرك ويطيل عمره الافتراضي، وهو ما ينعكس على تخفيض تكاليف الصيانة الدورية، وعلى المستوى الوطني، فإن تقليل استهلاك المشتقات النفطية المستوردة يساهم في تخفيف الضغط على الميزان التجاري الأردني، ويخفض من فاتورة استيراد الوقود التي تشكل عبئًا متناميًا على الاقتصاد.
أثر بيئي مهم
ولفت عقل إلى جانب آخر لا يقل أهمية، هو البعد البيئي؛ فالتحول إلى الغاز يساهم في خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون (CO₂) بنسبة تقارب 20%، كما يقلل من أكاسيد النيتروجين (NOx) والجسيمات الصلبة المسببة لتلوث الهواء، والمدن الأردنية الكبرى، مثل عمّان والزرقاء وإربد تعاني أصلًا من تلوث مروري مرتفع، وبالتالي فإن التوسع في استخدام الغاز من شأنه أن يحسن جودة الهواء ويقلل من نسب الأمراض المرتبطة بالجهاز التنفسي.
التحديات التي تواجه التجربة
رغم هذه الفوائد، إلا أن تحويل السيارات إلى الغاز الطبيعي يواجه مجموعة من العقبات، أولها التكلفة المبدئية للتحويل، والتي تتراوح عالميًا بين 500 إلى 1000 دينار للسيارة الواحدة، وهو مبلغ قد يثقل كاهل الكثير من مالكي المركبات ما لم توفر الدولة برامج دعم أو تمويل ميسر.
واشار عقل، أن العقبة الثانية تتمثل في البنية التحتية، حيث يحتاج الأردن إلى شبكة محطات تعبئة غاز كافية وموثوقة، وهو ما يتطلب استثمارات كبيرة من القطاعين العام والخاص.
أما التحدي الثالث، فهو المخاوف المتعلقة بالأمان؛ إذ يحتاج المواطن إلى ضمانات بأن أنظمة التحويل معتمدة وتخضع للرقابة الفنية، خصوصًا أن أسطوانة الغاز تشغل حيزًا في صندوق السيارة وتحتاج إلى فحوصات دورية.
تجارب دولية ملهمة
تجارب دول مثل مصر، التي أطلقت برنامج “إحلال السيارات للعمل بالغاز” وحولت مئات الآلاف من المركبات، تؤكد إمكانية نجاح المشروع إذا رافقه دعم حكومي مباشر، وفي إيطاليا والأرجنتين، تصل نسبة السيارات العاملة بالغاز إلى ملايين المركبات، ما وفر لهذه الدول مليارات الدولارات وخفض مستويات التلوث بشكل ملموس.
الفرصة أمام الأردن
وأكد عقل، بأن الأردن، بما يملكه من شبكة غاز إقليمية تربطه بمصر وسوريا ولبنان، يمكنه الاستفادة من هذه الموارد في تطوير سوق محلي للغاز كوقود للسيارات، ومع تنامي الاهتمام العالمي بالتحول إلى الطاقة النظيفة، فإن تبني برنامج وطني للتحويل سيعزز من مكانة الأردن في مسار التحول الطاقي المستدام.
وأضاف عقل، بأن الحل قد يبدأ عبر خطوات تدريجية منها إطلاق حوافز ضريبية أو قروض ميسرة لتحويل السيارات،إضافة إلى إنشاء محطات تعبئة تجريبية في عمان والزرقاء وإربد والتركيز أولًا على سيارات الأجرة والحافلات، كونها الأكثر استهلاكًا للوقود وضع مواصفات فنية إلزامية لأنظمة التحويل لضمان الأمان.
وأشار إلى أن تحويل سيارات البنزين والديزل إلى الغاز الطبيعي ليس ترفًا بل ضرورة اقتصادية وبيئية للأردن، قد تبدو الكلفة المبدئية مرتفعة، لكن العائد طويل الأجل على المواطن والاقتصاد الوطني والبيئة يجعلها استثمارًا رابحًا. وإذا ما توفرت الإرادة والدعم الفني، فإن السنوات القادمة قد تشهد شوارع المملكة تعج بسيارات صديقة للبيئة وأخف وطأة على جيب المواطن .
وفي ذات السياق، اضاف الخبير في قطاع الطاقة والثروة زهير صادق، يلعب الغاز الطبيعي دوراً محورياً في دعم الاقتصاد الوطني، نظراً لقدرته على تخفيف الأعباء المالية الناجمة عن ارتفاع أسعار المشتقات النفطية، لكن أهميته لا تقتصر على الجانب الاقتصادي فقط، بل تمتد لتشمل الجانب البيئي، حيث يُعرف بأنه مصدر طاقة أنظف مقارنة بالنفط. يتميز الغاز الموجود في حقل الريشة بجودته العالية، فهو غاز ميثان نقي جداً، ويُسمى بـ (Sweet Gas) لقلة نسبة الكبريت فيه، مما يجعله صديقاً للبيئة.
واشار صادق، أنه رغم أن الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح تعد بديلاً مستقبلياً واعداً، إلا أنها تحتاج إلى وقت طويل لتلبية كامل احتياجات الأردن من الطاقة. لذا، فإن الغاز الطبيعي يمثل حلاً واقعياً ومتاحاً على المدى القريب والمتوسط.
ووفقاً لدراسات علمية أجرتها شركات عالمية مرموقة، مثل شلمبرجير، فإن الاحتياطيات المكتشفة في حقل الريشة كافية لتلبية حاجة الأردن لمئات السنين، وتشير هذه الدراسات إلى وجود ما بين 9 إلى 73 تريليون قدم مكعب من الغاز.
ولفت صادق، تأتي هذه الاكتشافات بعد تاريخ طويل من جهود التنقيب عن البترول في الأردن، حيث كانت الشركات الأجنبية تركز في الماضي على جمع المعلومات أكثر من الاستخراج الفعلي، لكن اليوم، جاءت الاكتشافات المهمة بسواعد وطنية، لتؤكد أن هذه الثروة الوطنية هي نتيجة جهود محلية مخلصة.
هذه الكميات التجارية من الغاز لا تكفي فقط للاستهلاك المحلي والمصانع القائمة، بل تشجع أيضاً على فتح مصانع جديدة، مما سيساهم بشكل مباشر في خلق عدد كبير من فرص العمل للشباب الأردني. هذا الاكتشاف، الذي أكده رسمياً معالي وزير الطاقة، يعد خطوة مهمة طال انتظارها، حيث كان الخبراء يتحدثون عن وجود هذه الكميات منذ أكثر من 15 عاماً.






