صدى الشعب – كتب داود عمر داود
لم يمضِ أقل من أسبوع على تعرض إسماعيل هنية للتصفية والاغتيال في طهران، حتى سارع المكتب السياسي لحركة “حماس” الى اختيار يحيى السنوار، بديلاً عنه.
لم يكن اختيار السنوار مفاجأة كبيرة للمراقبين. فهو أصلاً وأساساً قائد الحركة في غزة، وشخصية بارزة في جميع المواجهات مع العدو الإسرائيلي، منذ أن تولى منصبه، مطلع عام 2017. والأهم أنه خلال المواجهة الحالية مع الإحتلال، في معركة طوفان الأقصى، كان عنصراً مهماً في المفاوضات بين الحركة والعدو.
صاحب القرار:
كان السنوار يمثل “قيادة الداخل”، فيما كان رفاقه في الدوحة، وفي مقدمتهم المرحوم إسماعيل هنية، يمثلون “قيادة الخارج”. وفي بعض مراحل التفاوض مع العدو كان يبدو واضحاً أن “قيادة الداخل” تختلف في وجهات النظر مع “قيادة الخارج”.
فكان المفاوضون الفلسطينيون يستغرقهم بعض الوقت لتقديم الردود للوسطاء. وكان تفسير ذلك أن “قيادة الداخل” كانت هي صاحبة القول الفصل في بعض المسائل. فكان يطغى موقفها على موقف “قيادة الخارج”. ويدرك أعضاء المكتب السياسي للحركة هذا جيداً. وما فعلوه بالأمس، حينما اختاروا السنوار كرئيس، أنهم أوكلوا أمر القيادة إلى صاحب القرار الفعلي.
هل يصبح السنوار قائداً للشعب الفلسطيني بلا منازع؟:
إضافة إلى “قوة” شخصية يحيى السنوار، فإنه مناور ومراوغ سياسي من الدرجة الأولى. وتشير المواقف العلنية التي اتخذها من قبل، و”التمجيد” الذي حصل عليه في المرحلة الماضية، إلى أنه يلقى القبول من الأطياف السياسية الفلسطينية على اختلافها، وربما يقود هذا إلى سهولة الحصول على إجماع شعبي ليصبح السنوار قائداً للشعب الفلسطيني بلا منازع، بما في ذلك السلطة الفلسطينية.
صعود نجم السنوار
دليل صعود نجم يحيي السنوار، أنه لا يعادي ولا يُخون أياً من القيادات والرموز الفلسطينية البارزة، لا السابقة ولا الحالية. وقد سعى جاهداً على الدوام إلى إرضاء القيادات الحالية على وجه الخصوص. وهو دائم الإشادة بالسابقين، “أبو عمار” وغيره، وحريص على إقامة علاقات مع الحاليين، “دحلان” وغيره.
ونجد السنوار يشيد بإيران، بين الحين والآخر، عندما يستدعي الأمر ذلك، ليس لأن طهران لها فضل كبير او عظيم على حركة حماس، كما يظن كثيرون ويحلو لهم قول ذلك، بل لأنه يريد مجاملة واحتواء “الجهاد الإسلامي”، المدعومة من إيران، من أجل إحتواء هذه الحركة، وعدم التصادم معها.
موقف السنوار من حل القضية الفلسطينية
أما على الصعيد الدولي، فإننا نجد أن مواقف يحيى السنوار لا تتعارض مع الحلول المطروحة دولياً للقضية الفلسطينية. فهو يؤيد حل الدولتين على حدود 1967. وهذا يجعله مقبولاً على الصعيدين العربي والدولي لقيادة الفلسطينيين، في المرحلة القادمة.
فيما يقابله على الطرف الآخر قيادة إسرائيلية متعنتة ترفض حل الدولتين علناً، وتجعل الكنيست يقوم بالتصويت على رفضه. وبذلك يغامر نتنياهو بالدخول في نزاع مع أمريكا، غير آبه بتبعات ذلك.
هذا كله يجعل السنوار مقبولاً على الصعيد الدولي، خاصةً أننا رأينا كيف انتشر في لحظات خبر اختياره رئيساً للمكتب السياسي لحركة حماس، ليلة أمس.
الخلاصة: لكل زمانٍ دولةُ ورجال
وعليه فإن اختيار يحيى السنوار، لرئاسة المكتب السياسي لحركة حماس، لم يكن عشوائياً، بل كان قراراً مدروساً من جميع الجوانب. ومن شارك في اختياره يدرك تماماً أنه لم يكن يختار قائداً لحركة حماس فقط، بل كان يختار قائداً مستقبليا للشعب الفلسطيني، في المرحلة التالية من هذا الصراع الطويل.. فلكل زمانٍ دولةُ ورجال.