الحراحشة: «٩٥٠ ألف دينار سنويًا لإنارة 36 تجمعًا سكانيًا… والفاتورة تتصدر التحديات»
الحراحشة: «البلدية توجهت نحو الطاقة الموفرة عبر 7770 وحدة إنارة LED»
الحراحشة: «استحداث أكثر من ١٠٠٠ فرصة عمل.. و 54 وظيفة لأبناء المجتمع المحلي خلال عامين والنصف»
الحسبان: «استثمارات بـ 320 ألف دينار وشراكات مع اليونسكو وUSAID.. بلدية رحاب تُعزز السياحة والبنية التحتية عبر برامج مجتمعية مبتكرة»
الحسبان: «شراكات دولية ومحلية تُطلق مشاريع رحاب التنموية: من “هنقر” الإسباني إلى حدائق أوكسفام وتمكين المرأة»
الحسبان: «سبع سنوات من التوازن المالي في بلدية رحاب رغم التحديات المصرفية»
صدى الشعب – المفرق – سامي جميل القاضي
ماذا لو انفتحت الأرض فجأةً لتُطلِقَ أنينَ قرونٍ غابرة، هنا، حيثُ تُنْشِجُ الحجارةُ حكاياتِها بصوتٍ يُزلزِلُ الزمن، تقف “رحاب” كحارسةٍ لأسرارٍ دفنتْها الرياحُ ألفَ مرةٍ، ثم أعادتها الشمسُ ألفَ مرةٍ.
إنها المدينةُ التي تتنفَّسُ تحتَ أقدامِك: “بيثا راحوب” الآرامية تهمسُ من أعماقِ القرنِ الحادي عشر قبل الميلاد، و”بلدةُ الحصن” البيزنطية تُطلُّ من بين شقوقِ جدرانِها كشاهدٍ على حروبٍ طمستها الرمال، بينما ينبضُ اسمُها العربي “رحاب” كقلبٍ ينقُلُ دماءَ الحضاراتِ من الماضي إلى الحاضر.
هذه ليست أرضًا، بل متحفٌ مفتوحٌ بلا سقف، تُزيحُ فيه الرياحُ غبارَ القرون لترى 32 كنيسةً تصطفُّ كجيشٍ من الظلال، من كهفٍ مظلمٍ نُحِتَ عام 230م كأولِ شاهدٍ على صلاةٍ مسيحيةٍ في المنطقة، إلى قبابٍ أمويةٍ بناها مهندسو القرنِ السابعِ الميلادي بخطوطٍ هندسيةٍ تُحاكي لغزَ الفراعنة.
اليوم، بينما تلمعُ كاميراتُ صحيفة “صدى الشعب” نحوَ “رحاب”، تُطلُّ المدينةُ من وراءِ ستارِ الزمن، لتظلُّ لغزاً ينتظرُ من يفتحُ أبوابَ كنوزِها: كيف حافظت على هويتها رغم عواصفِ التغيير، وماذا تخفي تحتَ أطلالِها من أسرارٍ تُعيدُ كتابةَ تاريخِ المنطقة، هذا ما سنسبرُ غورَهُ في رحلةٍ نستعيدُ فيها أنفاسَ الأجدادِ من خلالِ حروفِ الحجرِ والتراب.
ومن قلبِ هذا الإرثِ الحضاري العريق، تنبثقُ بلديةُ رحاب كحارسةٍ لهويةِ المكانِ ووريثةٍ شرعيةٍ لرِهانِ التاريخِ على الاستمرارية، ليست إدارةً محليةً فحسب، بل هي جسرٌ بين ماضي المنطقةِ المجيدِ وحاضرِها الواعد، تعملُ بإصرارٍ على حفظِ الذاكرةِ الجمعيةِ بين جدرانِ المتاحفِ المفتوحة، وترسمُ بأدواتِ العصرِ خريطةً جديدةً تُوازنُ بين عبقريةِ الموروثِ وضروراتِ التطوير.
التاريخ.. والنشأة
وفي سياق أوسع، تأسست بلدية رحاب عام 1969 كـ “مجلس قروي” برئاسة عبدالكريم أخو رشيدة، قبل أن تتحول إلى بلدية تُدير اليوم شؤون 31,600 نسمة -حسب إحصاءات 2023- رغم غموض تفاصيل تأسيسها المبكر بسبب ندرة الوثائق التاريخية.
وتقع البلدية ضمن قضاء-رحاب- إلى الجنوب الغربي من مدينة المفرق ويبعد عنها حولي ( 12 ) كيلو متر، وتتبع للواء قصبة محافظة المفرق، فبين 23 تجمعًا سكانيًا منتشرًا عبر ثلاث مناطق رئيسية (العين والعمرية، رحاب والبويضة، والتجمعات الغربية)، تدار بلدية رحاب التي تُعدُّ واحدةً من الكيانات الإدارية في محافظة المفرق، بمساحة إجمالية تبلغ 203.5 كم².
سكة حديد رحاب… حلمٌ ينتظرُ الإضاءة
في ضوء الجهود الرامية إلى تنشيط السياحة الداخلية وتعزيز الاستفادة من المواقع التراثية في منطقة رحاب، يأتي مقترح الربط السككي كحلٍ مبتكر يهدف إلى تسهيل وصول الزوار إلى الكنائس التاريخية وقطع الفسيفساء القديمة، ويعزّز من تجربة السائح المحلي عبر رحلة غنية بالسرد التاريخي والتثقيف الثقافي.
وفي هذا الإطار، يكشف رئيس بلدية رحاب، أكرم حرّان الحراحشة، في حديثٍ خاص لـ «صدى الشعب»، أن مشروع خط سككي يربط المدينة بالمواقع الأثرية سيكون “نقلةً نوعيةً للسياحة الداخلية”، موضحًا أن “القطار سيُقدّم تجربةً ثقافيةً فريدةً عبر سردٍ تاريخيٍ مُرفقٍ بالرحلة، مما يعزز الهوية الوطنية للسائح المحلي”.
وقال الحراحشة أن إنشاء خط سككي يربط المدينة بالمواقع الأثرية سيسهم بشكل كبير في تسهيل وصول العائلات والمجموعات المدرسية إليها، ويعزز بدوره السياحة الداخلية بوصفه خياراً اقتصادياً أكثر كلفة من النقل الخاص أو الجماعي، مشيرًا إلى أن الرحلات عبر القطار تمنح زائري رحاب تجربة ثقافية غنية من خلال السرد التاريخي المرافق للرحلة، ما يعمّق الهوية الأردنية لدى السائح المحلي.
في المقابل، لفت إلى غياب محطة ربط سككي في رحاب، وهو ما من شأنه أن يضعف التجربة السياحية في حال لم يتم تجهيز البنية التحتية المناسبة، مؤكدًا أن إنشاء المحطة يتطلب تنسيقاً لوجستياً معقداً وتكاليف مادية عالية، فضلاً عن تعاون وثيق بين وزارة النقل ووزارة السياحة والبلديات ودائرة الآثار، وهو الأمر الذي قد يبطئ الإجراءات ويعرقل إنجاز المشروع.
وبين أن التحدي الرئيسي في المراحل الأولى يكمن في ضعف الطلب على الخدمة ما لم تُرافق انطلاقتها حملات ترويجية مكثفة وجذابة، ولذلك، دعا إلى إشراك المجتمع المحلي عبر تدريب وتوظيف أهالي رحاب كمرشدين سياحيين ومشغّلي مطاعم وبائعي منتجات حرفية، مما يضمن توزيع المنافع الاقتصادية ويكسب المشروع دعماً شعبياً، مشددًا على أهمية شراكات مع القطاع الخاص لجذب مستثمرين وشركات سياحية لتطوير المرافق في المحطة وتنظيم فعاليات ثقافية، إلى جانب توفير دعم حكومي أولي لضمان استدامة المشروع، وإطلاق حملات تسويقية موجهة إلى العائلات والمدارس والجامعات لتعزيز الإقبال على هذه الخدمة الجديدة.
فاتورة الكهرباء تتصدر تحديات رحاب..
أماعن مجموعة التحديات الهيكلية والإجرائية التي تُعيق قدرة البلدية على تنفيذ خططها بالشكل المطلوب، وتؤثر بشكل مباشر على مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين.
فقد بين الحراحشة، أنه ومن بين أبرز هذه التحديات التشغيلية التي تستنزف موازنة البلدية بشكل لافت، يبرز ملف فاتورة الكهرباء، حيث أن ملف فاتورة الكهرباء يشكل “أحد أبرز التحديات التشغيلية” للبلدية، لا سيما مع الامتداد الجغرافي الكبير للمناطق المشمولة، كما أشار رئيس البلدية.
وأوضح أن بلدية رحاب، التي تُعد ثاني أوسع بلدية في المملكة بعد الرويشد، تغطي ما بين 32 و36 تجمعاً سكانياً وقرية، جميعها مضاءة بمصابيح الشوارع والإنارة التجميلية، مما دفع فاتورة الكهرباء السنوية إلى نحو 950 ألف دينار.
وأضاف أن التحديات نابعة من ثلاثة عوامل رئيسية: أولاً، الاتساع الجغرافي الذي يتطلب تشغيل شبكات إنارة طويلة ومتفرعة، وثانياً، تنوع التجمعات السكانية بين مدن وقرى يزيد من حجم الأعمال، وثالثاً، الإنارة التجميلية التي رفعت استهلاك الطاقة بشكل ملحوظ.
ولا تزال البلدية، وفق الحراحشة، تعمل على دراسة حلول مبتكرة لخفض الاستهلاك دون المساس بجودة الإضاءة وأمن المواطنين، لافتاً إلى أهمية اللجوء إلى تقنيات أكثر كفاءة ومستدامة في المستقبل القريب.
وقال، أنَّ ”هناك تحديات إجرائية في تنفيذ المشاريع، والتي تستغرق وقتاً طويلاً.“، موضحًا أن الإجراءات البيروقراطية المرتبطة بالموافقات والمناقلات المالية تؤخر تنفيذ المشاريع، ما ينعكس سلبًا على الجدول الزمني للمبادرات التنموية، ويُربك خطط العمل السنوية للبلدية.
وأشار إلى أنَّ ” الإيرادات الذاتية انخفضت نتيجة إيقاف التراخيص في المناطق الواقعة خارج التنظيم.“، مشيرًا إلى أنَّ هذا القرار حرم البلدية من مصدر مهم للدخل، خاصة في ظل توسع النشاط العمراني في تلك المناطق، ما خلق فجوة بين النفقات والإيرادات.
وأكد أنه، ”ولا توجد بيئة استثمارية جاذبة قادرة على استقطاب المستثمرين من القطاع الخاص.“، مؤكدًا أنَّ غياب الحوافز المناسبة والبنية التحتية الجاذبة قلص من فرص الشراكات مع القطاع الخاص، وهو ما يحدّ من قدرة البلدية على تطوير مشاريع مدرّة للدخل.
وبيّنَ أنَّ هذه المفارقة تشكل عبئًا كبيرًا على البلدية، حيث لا تكفي المخصصات المالية لتغطية حجم الخدمات التي تزداد مع النمو السكاني واتساع الرقعة الجغرافية، مبينًا أن ”موازنة البلدية قليلة مقارنة بالنفقات المتزايدة.“
وأضاف أن التوسع في خدمات الإنارة وتغطية قرى ومناطق جديدة برفع كلفة التشغيل، مما يُثقل كاهل الميزانية التشغيلية ويستنزف جزءًا كبيرًا من الموارد المالية، موضحًا أنَّ ”قطاع متلقي الخدمة آخذ بالاتساع، حيث تمت إنارة مناطق كاملة، ما أدى إلى ارتفاع فاتورة الكهرباء إلى أكثر من نصف مليون دينار سنويًا.“
وختم حديثه عن التحديات، بالتأكيد على أن البلدية تسعى للتغلب على هذه التحديات من خلال تحسين التحصيل، وخفض النفقات، والبحث عن مصادر تمويل بديلة، إلا أن نجاح هذه الجهود يبقى مرهونًا بالدعم الحكومي وتعاون المجتمع المحلي.
الترويج والتسويق السياحي
وفي إطار سعي البلدية لتحسين الخدمات المقدمة للمواطنين، فقد نجحت في الحفاظ على التوازن المالي طيلة سبع سنوات، رغم التحديات المصرفية، مثل التأخير في تحويل الإيرادات من قبل البنوك، وهو ما استدعى التنسيق المستمر لضمان سير المشاريع بالشكل المطلوب.
أضاف الحراحشة، أن بلدية رحاب تعمل على نشر إنجازاتها عبر صفحتها على الفيسبوك، حيث تتضمن هذه المنشورات معلومات عن الرحلات السياحية للمواقع الأثرية، والتعريف بهذه الأماكن المميزة، ما يعزز من فرص الترويج السياحي للمناطق في رحاب، مشيرًا إلى أن البلدية قد عقدت اتفاقية تعاون مع جامعة آل البيت، حيث أُعد برنامج إذاعي خاص تحت اسم “عين على رحاب”، الذي يتناول أهم القضايا في قضاء رحاب ويعمل على ترويج هذه المناطق سياحيًا، بالإضافة إلى نشر رسالة البلدية في الحفاظ على كنوز رحاب الأثرية وجلب الدعم لها.
وفيما يتعلق بالتعاون مع الجهات المحلية والدولية، أوضح أن البلدية تسعى لفتح مختلف الأبواب للتعاون والتشبيك مع المنظمات العاملة في القضاء والمهتمة بالسياحة، بالإضافة إلى التعاون مع دائرة الآثار العامة وهيئة تنشيط السياحة. وقد تم ذلك مؤخرًا من خلال تيسير رحلة سياحية عبر مسار القطار لرحاب، ما يُعد خطوة مهمة لتعزيز التنسيق المشترك والاهتمام بالسياحة في المنطقة.
مشاريع وإنجازات البلدية في أرقام..
وصرّح الحراحشة عن حزمة من الإنجازات والمشاريع التي نفذتها البلدية خلال السنوات الأخيرة، والتي وصفها بأنها “تترجم التزام البلدية بخدمة المواطنين وتطوير البنية التحتية وتعزيز فرص التنمية المحلية.”
وقال إن البلدية، وضمن جهودها في تنشيط السياحة، قامت بترميم 12 بيتًا تراثيًا بالتعاون مع دائرة الآثار العامة ومنظمة AVSI والوكالة الإيطالية، مؤكدًا أن هذا المشروع “يسهم في إبراز الطابع التراثي لرحاب وتحفيز الحركة السياحية”.
وأضاف أن البلدية نفذت مشروع إعادة تأهيل مبناها القديم بالتشارك مع دائرة الآثار العامة، وجرى تحويله إلى مركز زوار ومكتب تذاكر لخدمة الزائرين، إلى جانب استلام مبنى البلدية الجديد بمساحة تبلغ 2000 متر مربع موزعة على طابقين، ما يوفر بيئة عمل حديثة وفعالة.
وأوضح أن البلدية طرحت عدة عطاءات لصيانة الطرق، شملت عطاء ترقيعات وصيانة شوارع بقيمة 18 ألف دينار، وعطاء خلطات إسفلتية بقيمة 400 ألف دينار، بالإضافة إلى عطاء قيد الإحالة يشمل مناطق عين، والمعمرية، والدجنية، والتجمعات الغربية.
وبيّن أن البلدية أعادت تأهيل دوار رحاب، كما أنشأت دوارًا جديدًا في منطقة الدجنية حمل اسم الشيخ المرحوم عبد الله اخو ارشيدة، ملفتًا إلى أن الأعمال التجميلية شملت أيضًا مداخل مناطق عين والمعمرية والمنيفة، بالإضافة إلى الجزر الوسطية التي تم تجميلها وزراعتها.
وتابع قائلًا: “قمنا كذلك بإعادة تأهيل جسر الشيخ مكازي أخو ارشيدة وإنارته، وذلك ضمن جهودنا في تحسين البنية التحتية”، منوّهًا إلى أن البلدية استبدلت وحدات الإنارة في مختلف مناطق رحاب عبر مشروع مشترك مع وزارة الطاقة وفلس الريف، حيث تم تركيب نحو7770 وحدة إنارة موفرة للطاقة.
وعلى صعيد التوظيف والتمكين، أعلن أن البلدية استحدثت 54 وظيفة لأبناء المجتمع المحلي خلال عامين ونصف، شملت عمال زراعة وصيانة وعمال وطن، مؤكدًا أيضًا تشغيل أكثر من 1000 شاب وشابة بالتعاون مع دائرة الآثار العامة والمنظمات العاملة في رحاب، ضمن مشاريع مجتمعية وتنموية متعددة.
وشدد على حرص البلدية على تحسين الخدمات العامة، من خلال تركيب وتجديد مظلات على جوانب الطرق، في استجابة مباشرة لمطالب المواطنين، مؤكدًا أنَّ البلدية تعمل بتشاركية مع المؤسسات الرسمية، حيث تم عقد دورات توعوية بالتعاون مع الشرطة المجتمعية حول قضايا تهم المجتمع المحلي، من أبرزها مكافحة المخدرات.
وختم حديثه بالإشارة إلى الدور الاجتماعي والصحي للبلدية، موضحًا أنها عقدت أيامًا طبية مجانية بالتعاون مع الصندوق الأردني الهاشمي للتنمية البشرية**، واستهدفت مدارس رحاب، في إطار تعزيز الرعاية الصحية المجتمعية.
الموازنة المرنة بين الالتزامات والمشاريع
وفي إطار سعي بلدية رحاب للحفاظ على التوازن المالي وتقديم خدمات مستدامة، وعن التفاصيل حول آليات إدارة الموازنة البلدية، فمن جهته، أوضح مدير البلدية، والمدير المالي، إيمان الحسبان، أن “موازنة البلدية خطة مستقبلية تُغطي عامًا ماليًا كاملًا، وقد تمتد لثلاث سنوات، تُقسَّم فيها البنود وفق أولويات محددة”.
وأوضحت الحسبان، أن “الإدارة المالية تُنفذ الخطط التي يقرها المجلس البلدي، مع مراعاة التوازن بين التزامات البنود الإلزامية والمرونة في توجيه الموارد نحو مشاريع التطوير”، مشيرةً إلى أن “تحديد المبالغ المخصصة لكل بند يعتمد على تحليل البيانات التاريخية والاحتياجات الميدانية”.
وأضافت أنَّ، “هناك بنود إلزامية تفرضها الوزارة مثل رواتب الموظفين البالغ عددهم 189 موظفًا، والنفقات الطارئة، ومخصصات ذوي الاحتياجات الخاصة، بينما يُحدد الجزء الآخر من الموازنة بناءً على مصروفات البلدية خلال السنتين الماليتين السابقتين.”
وفي ظل تحديد موازنة بلدية رحاب والذي يقدر بإجمالي ثلاثة ملايين دينار، يبرز دور المجلس البلدي كهيئة تشريعية في توجيه هذه الموارد لمواجهة احتياجات القضاء، وأوضحت الحسبان، أنَّ “بالنظر إلى أهمية التخطيط المالي الدقيق في عمل البلديات، فإن إعداد الموازنة السنوية يعد من أبرز المهام التي تقع على عاتق المجلس البلدي، بوصفه الجهة التشريعية المسؤولة عن توجيه الموارد المالية وفقًا لأولويات واحتياجات المنطقة. وفي هذا السياق، يُبنى توزيع بنود الموازنة على أسس واقعية تستند إلى الإمكانيات المتاحة والموارد الفعلية، بما يضمن تحقيق الكفاءة في الإنفاق والعدالة في التوزيع.”
وتعكف بلدية رحاب على تنفيذ خطة محكمة للتعافي المالي ومعالجة العجز، حيث نجحت طيلة سبع سنوات من العقد الماضي في المحافظة على توازن الموازنة دون عجز، وتعتمد الخطة على تعظيم الإيرادات الذاتية الفعلية المتأتية من الرخص والعقود والإيجارات، إلى جانب الدعم الحكومي المخصص من حصص المحروقات وترخيص المركبات التي تحددها وزارة المالية ضمن موازنة الدولة الأردنية.
وفي هذا السياق، تشير إلى نجاح الاستراتيجية المالية التي اعتمدتها رحاب في ضبط النفقات وتعظيم الموارد، مما مكنها من تجاوز أزمات السيولة وتفادي العجز المالي، موضحةً أن “لدينا خطة التعافي من العجز، ورحاب في 7 من السنوات العشر الماضية لم تضطر للتشغيل على المكشوف ولم تشهد عجزًا ماليًا.“
من جانب آخر، توضّح أن هذه الإيرادات – التي تضم رسوم تراخيص الأبنية والمهن، وعقود الإيجار للمرافق، ورسوم المسقفات – تشكل العمود الفقري لميزانية البلدية، حيث تتم معالجتها بشفافية تامة لضمان استمراريتها، وقالت، أنَّ“نركز على الإيرادات الذاتية الفعلية من الرخص والعقود والإيجارات.”
في المقابل، يمثل هذا البند مصدرًا ثابتًا للدخل تحدده الدولة ضمن موازنة وزارة المالية، ويُستثمر جزئيًا في تغطية النفقات التشغيلية وتنفيذ المشاريع الخدمية.، مشيرة إلى أنَّ “هناك بند الدعم الحكومي من حصة رحاب من المحروقات وترخيص المركبات.”
وبحسب الحسبان، يكمن التحدي في إدارة الموازنة بين موارد لا يُمكن تعديلها محليًا ومصادر متغيرة تتطلب شراكات استثمارية فعّالة، الأمر الذي يستدعي تطوير آليات تحصيل جديدة وتحفيز المستثمرين.، موضحة أن “أحد البندين ثابت تحدده الدولة، والآخر يخضع للشد والجذب، ونعمل على تطويره بالرغم من الإمكانيات المحدودة لبلديات الفئة الثانية.”
وفي السياق ذاته، تؤكد أن التأخير المصرفي في تحويل الإيرادات يعرقل تنفيذ الخطط، ما يستوجب تنسيقًا مستمرًا مع البنوك لضمان وصول الأموال في مواعيدها دون تعطيل المشاريع، موضحة أن “عدم توفر المخصصات اللازمة نتيجة لعدم التزام البنك بتوريد الإيرادات.”
مشاريع في أوج الازدهار
وفي إطار تعزيز البنية التحتية وتطوير الخدمات في مناطق بلدية رحاب، أطلقت البلدية عدة مشاريع استثمارية بالتنسيق مع شركائها الدوليين والمحليين، ومن بين هذه المشاريع، إنشاء “هنقر” بمساحة 800 متر مربع بتكلفة 320 ألف دينار بالتعاون مع الوكالة الإسبانية، إلى جانب مشروع “حديقة زهة” بالتنسيق مع الديوان الملكي، فضلاً عن مجموعة حدائق أخرى نفّذتها البلدية بالتعاون مع منظمة أوكسفام الهولندية، كما شملت الاستثمارات أعمال “كاش فور وورك” للمسار السياحي والتزيين، إضافة إلى برامج مشتركة مع اليونسكو ومنظمة AVSI ووكالة USAID، كما أوضحت الحسبان.
وأشارت إلى أنَّ “نحرص على تنويع استثماراتنا وتوجيهها نحو مشاريع تخدم المجتمع وتُسهم في تعزيز السياحة المستدامة وتحسين جودة الحياة، من خلال شراكات استراتيجية تتيح لنا الاستفادة من الخبرات والموارد الخارجية.”
كما نوهّت إلى أن البلدية “أنشأت مركز خياطة مجهزًا بمعدات وآلات تبرع بها أكثر من جهة، وأطلقت وحدة التمكين المجتمعي لتدريب المرأة، مبينةً أنَّ البلدية بصددِ توقيع اتفاقية مع ناشط مجتمعي لإطلاق استراحة ومقهى تحت مظلة البلدية والكنيسة الكهفية، في خطوة لتعزيز فرص العمل ودعم القطاع السياحي المحلي.”
الآليات والمعدات
وفي سياق سعي بلدية رحاب لتعزيز كفاءة الخدمات البلدية ودعم المجتمع المحلي، ولأهمية تقديم البنية التحتية الداعمة للمجتمع، من خلال توفير التجهيزات الضرورية في مجال النظافة وإعادة التدوير، وتمكين المرأة عبر التدريب العملي، وخلق فضاءات اجتماعية جديدة تساهم في النهوض بالقطاع السياحي وتعزيز روح التعاون بين مختلف الشركاء.
أشارت إلى “أنه تم تزويد البلدية بضاغطتي نفايات من منظمتين مختلفتين بالإضافة إلى حاويات وفرّازات للنفايات الصلبة، وذلك بالتعاون مع اللامركزية لإقامة مصنع لإعداد أكواب ورقية يحمل على جانبه تاريخ رحاب وأبرز معالمها.”
وأكدت أن أسطول البلدية من الآليات صُمّم ليغطي جميع مراحل العمل الميداني بكفاءة عالية، فالآليات الثقيلة -والتي تضم عشر ضاغطات وجرافة مدحلة وقدرتها على تسطيح الطرق الجديدة- تقود عملية جمع ونقل كميات النفايات الكبيرة وإعادة تأهيل الطرق الرئيسة.
وأشارت إلى أنه ”بينما تؤدي الــ 9 سيارات البيك-أب والتركترات دوراً أساسياً في نقل الطواقم والمعدات إلى مواقع العمل، إضافة إلى القلابات وتنكات المياه المسؤولين عن ضخ وتنظيف الشوارع خلال فصل الصيف.”، موضحة أنَّ وتختص الجرافة الصغيرة (لوبوي) بالممرات والطرق الضيقة التي لا تصل إليها الآليات الكبيرة، مما يضمن صيانة شاملة لجميع أحياء المدينة دون استثناء.
التعافي المالي ومعالجة العجز
وقالت، أنًَّ “السياسة الجديدة للتقليل من الفاتورة هي استبدال اللمبات القديمة بالليد، ونتمنى أن يثمر ذلك عن توفير ملموس، ونحن كبلدية لا نستطيع أن نرفض إنارة الشوارع خاصة أن رحاب تربط محافظات إربد والزرقاء وجرش والمفرق.”، موضحةً أنَّ هذه المبادرة تأتي كجزء من الاستراتيجية العامة للبلدية لخفض تكاليف التشغيل والصيانة.
ويشار من ذلك، أنَّ استبدال الإنارة التقليدية بإضاءة LED يزيد من كفاءة استهلاك الطاقة بما يحقق خفضاً يتراوح بين 30% و 50% في فاتورة الكهرباء السنوية، حسب تقديرات أولية عالمية، وهذا ما أضافته الحسبان حيث أن إنارة الشوارع تلعب دوراً حيوياً في تعزيز السلامة المرورية والأمن العام، لكون مدينة رحاب تقع على مفترق طرق رئيسية تربط بين أربع محافظات هي إربد والزرقاء وجرش والمفرق، ما يجعلها نقطة عبور يومية لآلاف المركبات، ولذلك، تلتزم البلدية بضمان استمرارية الخدمة مع تحقيق أكبر قدر ممكن من الوفر المالي لخزينة البلدية.
رحاب.. تستعدُّ لكتابة فصلٍ جديدٍ من قصتها، ولتكن القطارُ القادمُ بالأمل
تطلُّ منطقة رحاب بمكنوناتها الأثرية وتراثها العابق بالحكايات كواحةٍ تستحقُّ أن تكتب على خريطة السياحة الوطنية بخطٍ مُضيء، مشروع الربط السككي ليس مجرد خطٍ حديديٍ يربط بين النقاط الجغرافية، بل جسرٌ يصل الماضي بالحاضر، ويعيد للسائح المحلي اكتشاف هويته عبر رحلة تروي حجارة الفسيفساء.
ورغم التحديات المالية واللوجستية التي تُواجهها البلدية، من فاتورة كهرباء تلتهمُ الموازنة إلى تعقيدات الإجراءات البيروقراطية، إلا أن الإنجازات التي تحققت –كترميم البيوت التراثية وتأهيل البنية التحتية– تثبت أن العزيمة المحلية قادرة على صنع المعجزات بشراكةٍ مجتمعيةٍ وحكومية فاعلة.
واليوم، تدعو رحاب القطاع العام والخاص، إلى انتهاز الفرص، حيث السياحة المستدامة بوابة للتنمية، والاستثمارُ في الإنسان ركيزةٌ لأيِّ نهضة، فهل تُجيب الجهات المعنية على نداء التاريخ، وتضع يدها بيد البلدية لتحويل التحديات إلى وقود للمستقبل، الجواب يكمن في التعاون، والإسراعِ قبل أن تتحول الكنوزُ الأثرية إلى ذكريات تروى.

