صدى الشعب – كتب د. منذر الحوارات
منذ احتلالها للأراضي الفلسطينية في العام 1948 وقبل ذلك بحوالي 6 عقود تحاول الحركة الصهيونية احتلال جزء آخر من العالم، ألا وهو عقول داعميها في العالم الغربي لضمان تأييدهم ودعمهم الدائم واللامحدود، وقد نجحت في ذلك أيما نجاح وساعدها في ذلك النظرة الدونية لليهود في عصر النهضة الأوروبي ولاحقاً الإبادة النازية التي أظهرت فكرة المظلومية والعداء للسامية وبوجود مفكرين يهود أفذاذ يدركون ماهية العقل الغربي وكيفية التعامل معه حيث قاموا بعملية مزاوجة معقدة بين التاريخ والحاضر مما مكنهم من الحصول على هدفهم المنشود، وباستغلال عقدة الذنب الغربية تجاه اليهود أصبح نقدهم أو انتقادهم أو التصدي لأي عمل يقومون به مخاطرة تحمل في طياتها عواقب وخيمة، وهذا ينطبق على كل المجتمعات الغربية وبين ثنايا هذا الواقع سقطت مطالب الشعب الفلسطيني العادلة ضحية لهذا السلوك الغربي الظالم وأصبحت كلمة فلسطين مجرمة ومدانة.
لقد أصبحت المقولات الصهيونية أمراً واقعاً في أذهان المجتمع الغربي، طبعاً لم تتمكن المنظمات الصهيونية من غرس هذه القناعة في عقول الغرب والأميركان بالتمنيات فقط، بل كان جزء كبير من ذلك نتيجة جهد دؤوب لمئات المنظمات المجتمعية والشبابية في المدارس والجامعات على مستوى الهياكل التدريسية والطلابية، حيث قامت بآلاف الزيارات لتلك الكوادر لدولة الاحتلال ومكنتهم من الاشتباك مع المجتمع الإسرائيلي والتعرف على ما يواجهه من تحديات، وهي بذلك تمكن من إنشاء جسر صلب من العلاقة الوثيقة بين تلك المنظمات الطلابية والمجتمع الأكاديمي والمجتمع الإسرائيلي بحيث أصبح الدفاع عن كل ما تقوم به إسرائيل أمراً بديهياً، بل قامت من الناحية الأخرى بخطة ممنهجة لطمس الوجود الفلسطيني وتصويره بحيث يبدو بربرياً يجب اجتثاثه والقضاء عليه، لقد صُور الفلسطيني على مدار عقود بأنه الشر المطلق.
كانت الجامعات هي المَنهل الذي يزود السياسيين الأميركان والغربيين بطاقات شبابية داعمة لإسرائيل كلما شاخ أحدهم أو توفي، لقد كانت هذه الجامعات حكراً مطلقاً على المنظمات اليهودية في أفرادها وعقولها وأموالها، وهذه الأخيرة قُدرت ب 835 مليار دولار حصة جامعة كولومبيا منها 13 مليارا، وهارفرد 43 مليار دولار، ويطلق على هذه الأموال أموال الوقف، ولهذه الأموال علاقة وثيقة مع إسرائيل إذ تشكل جزءاً من الاستثمارات الصناعية والعلمية البحثية فيها وتقوم على إنجاح البحث العلمي المشترك بين هذه الجامعات وإسرائيل، وكل ذلك يؤكد أن هذه الدولة لم تقم بطاقتها وحدها بل كانت تحرسها عيون الغرب بساسته وقواته العسكرية بكل ما لديها من إمكانات، وتحفها المراكز العلمية والجامعات بالرعاية والشراكة في كل شيء.
لقد قام كل أولئك بفرض حصار مطبق يمنع الفكرة الفلسطينية وكذلك المعاناة من التسرب إلى عقول مواطني الدول الغربية، لكن شاءت الأقدار أن تتعلم الفكرة والمعاناة الفلسطينية الهجرة، من حيث لم يخطر على بال أحدهم وبنفس الأدوات، إنها التقنية وأدوات التواصل والتي حملت الوجع والمعاناة الفلسطينية على أجنحتها وتمكنت من فتح الجدار السميك في عقول الشباب الأميركي واستطاعت أن تُريه زيف ما كان يؤمن به، ساعد في ذلك توسع الوجود العربي في تلك الجامعات وهو الذي سهل تفسير معنى الصور ومعنى المعاناة، مما أعطى نتائج مبهرة في رفض هؤلاء الشباب للواقع الذي اعتادوا تبنيه والدفاع عنه.
هذه الصدمة كانت كالصاعقة على رؤوس الحركات الصهيونية والداعمة لإسرائيل، لكنهم سرعان ما استعادوا زمام المبادرة وبدأوا بتحريك أدواتهم من السياسيين وبدأوا بمعاقبة رؤساء الجامعات، وتمكنوا من إخراج مظاهرات مناهضة لتلك الداعمة لفلسطين وهذه كانت شبيهة بتلك التي أخرجتها بعض الأنظمة العربية إبان الربيع العربي والتي كانت تمارس أعمال البلطجة والتشبيح على المتظاهرين وهذا ما تفعله المظاهرات الطلابية المؤيدة لإسرائيل الآن، وكأننا أمام نظام ذهني يواجه أفوله ويفتح الأبواب لنظام ذهني آخر رغماً عنه، لكن من المبكر الحكم بشكل قاطع، فالمنظمات الصهيونية وداعمو إسرائيل لا يزالون أقوياء فلديهم المال والدعم السياسي والقوانين التي يمكن لها أن تردع أيَّ معادٍ لإسرائيل، وبالتالي من الصعب توقع نتائج كبيرة حتى على المستوى السياسي وأكد ذلك الرئيس بايدن عندما قطع الشك باليقين وقال إن التظاهرات لن تؤثر على موقفه مما يحدث في الشرق الأوسط، لذلك علينا أن ننتظر نتائج ستحصل حكماً لكن ليس الآن بل في المستقبل وربما ليس البعيد، ففي عمر الصراعات الطويلة والمعقدة تعتبر حتى الخطوات الصغيرة غير الواسعة أمراً بالغ الأهمية، وهذه بدون شك خطوة مهمة إلى الأمام.