صدى الشعب – كتب عبد الله توفيق كنعان
تعرّف الابادة الجماعية بأنها التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية، أو إثنية، أو عنصرية، أو دينية، وقد تمّ توقيع اتفاقية منع جريمة الابادة الجماعية والمعاقبة عليها في باريس بتاريخ 11 كانون الاول عام 1948م، حيث تجعل هذه الاتفاقية من ارتكاب الإبادة الجماعية أو التخطيط لها أو التآمر لارتكابها، أو التحريض ودفع الآخرين إلى ارتكابها، أو الضلوع أو الاشتراك في أي عمل من أعمال الإبادة الجماعية، جريمة من الجرائم التي تستوجب العقاب، وباعتبار أنه تم اقرار الإبادة الجماعية كجريمة دولية، فإن هذا يعني أن قانون مكافحة جرائم الإبادة الجماعية مُلزم لجميع الدول في العالم، حتى الدول التي لم تصدّق على الاتفاقية، بما فيها سلطة الاحتلال الاسرائيلية التي تدعي زيفاً التزامها بالشرعية الدولية.
ومن الانذارات المبكرة لاحتمالية وقوع خطر الابادة الجماعية وبحسب تقييم بعض المستشارين في الأمم المتحدة، هي وجود حكومة قمعية وفئة محددة متسلطة في بلد معين تتفرد بالحكم، كذلك وجود حالة حرب أو أن تسود البلد بيئة تتصف بعدم احترام القوانين، مما يمكن من وقوع المذابح دون أن تلاحظ أو توثق، وهنا السؤال المشروع أليست جريمة الاحتلال والاستعمار مؤشراً مؤكداً على خطر الابادة الجماعية والتهجير، كما هو حال الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين ؟، احتلال وحشي منذ عقود تحت نظر العالم ومنظماته الشرعية، خاصة أن جريمة الابادة الجماعية التي ما تزال ترتكب في فلسطين المحتلة تجري يومياً بخلاف حدوثها في دول العالم ، إذ تحدث غالباً في أوقات الحرب ، ولكن الوضع في فلسطين باعتبارها تحت نير وغطرسة احتلال همجي تجري في كل لحظة، وبأشكال مختلفة فهي ضد الانسان والارض والثقافة والمقدسات الاسلامية والمسيحية قتلاً وتدميراً، اضافة الى نهج السعي للتهجير واقامة المستوطنات واحلال المستوطنين مكان الفلسطينيين أصحاب الحق التاريخي والقانوني.
وبالرغم من أن العالم وعبر منظماته الشرعية ومحاكمه الدولية، وعبر اعلامه ومفكريه ومثقفيه في كافة الميادين، قد أدان ما تقوم به سلطات الاحتلال الاسرائيلي من جرائم الابادة الجماعية، وينضال العالم الحر لنشر خطاب التسامح والمحبة ويحارب خطاب الشر والكراهية، الا أنه للاسف ما يزال عاجزاً عن كبح جماح وغطرسة الصهيونية ومخططاتها في فلسطين، خاصة أن الاستراتيجية الصهيونية التي تنفذها اسرائيل تقوم اساساً على الابادة والتهجير، وبالتالي يبقى اتخاذ مناسبات الايام الدولية على اختلافها بما فيها (اليوم الدولي للتفكّر في الإبادة الجماعية) ابتداء من عام 2004م، والذي يصادف تاريخ السابع من نيسان كل عام، تزامناً مع الذكرة العاشرة لبدء الابادة الجماعية في راوندا عام 1994م، مجرد شعارات فارغة من اجراءات تنفيذية حقيقية تردع المجرم بعقوبات كفيلة بمنعه من مواصلة اجرامه، كما هو الحال مع استمرار الجرائم والانتهاكات الاسرائيلية ومجازره المتكررة ضد الفلسطينيين.
غزة الذبيحة الصامدة اليوم ما تزال تتعرض لابادة جماعية وحشية، تودع خلالها قوافل الشهداء من ألاف الاطفال والنساء والشيوخ بما في ذلك عائلات مُحيت من السجلات المدنية ، مدن وأحياء دُمرت بالكامل ومؤسسات اجتماعية وخدماتية تعليمية وصحية ومساجد وكنائس أصبحت أثراً بعد عين، فكيف للعالم الحر الذي يدعي حقوق الانسان والذي سعى لاصدار العشرات من الاتفاقيات وعقد الكثير من المعاهدات والمؤتمرات حول حرية الشعوب وحقها في تقرير المصير وحمايتها أن يصمت فاقداً لارادته تجاه ما يجري من فظائع ضد الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية وكل فلسطين المحتلة، فقد ارتقى بآلة الاجرام الاسرائيلية منذ السابع من اكتوبر عام 2023م وحتى اليوم ما يزيد عن 50 الف شهيداً معظمهم من الاطفال والنساء والشيوخ، و120 الف جريحاً ، ونزوح حوالي 2 مليون فلسطيني ولمرات عديدة، وبالطبع الى جانب أكثر من 6 مليون لاجىء فلسطيني في العالم منذ نكبة عام 1948م، اضافة الى الاف المعتقلين والاسرى والمفقودين، أليس كل ما يجري بنظر العالم الديمقراطي وحقوق الانسان المزعومة جريمة ابادة جماعية يجب معاقبة فاعليها من اليمين المتطرف ؟، أم ان ميزان الكيل بمكيالين والانحياز لصالح اسرائيل أصبح للأسف حصانة لجرائم اسرائيل؟.
ان اللجنة الملكية لشؤون القدس وبمناسبة كل ما يجري وبشكل يومي في فلسطين المحتلة وفي مدن القدس وغزة من ابادة وقتل واقتحامات بمشاركة رموز التطرف في حكومة اليمين وبحماية شرطة الاحتلال وما يرافقها من طقوس استفزازية لمشاعر المسلمين والاحرار في العالم، تؤكد أن على العالم ومنظماته تحمل مسؤوليتها القانونية والاخلاقية لحماية الشعب الفلسطيني ومنع ابادة جماعية يقوم بها الاحتلال غير عابىء بالقانون الدولي والشرعية ومحاكمها الدولية، هذا الاحتلال الذي يوسع مفهوم الابادة والتطهير العرقي ليشمل تهديد أمن واستقرار العالم والمنطقة كلها، وفي عالم اصبحت شريعة الغاب الاسرائيلية هي السائدة فيه.
وتبين اللجنة الملكية لشؤون القدس أن ما يحتاجه العالم اليوم ليس مناسبات وشعارات وقوانين، بل يحتاج عملياً لقوة وارادة تنفيذية تلزم الاحتلال بالقانون الدولي وتعاقبه على جرائمه المستمرة، فالابادة التي يمارسها الاحتلال الاسرائيلي ليست ضد فلسطين فقط، بل هي ابادة للقانون والخير والقيم في العالم، فعلى المنظمات العالمية اليوم أن تقول كلمتها الفصل في حمايتها شرعيتها والبشرية كلها من الابادة التي تمارسها اسرائيل.
أمين عام اللجنة الملكية لشؤون القدس